نَشْأَةُ التَّخْرِيجِ والتَّعْرِيفُ بِهِ
ِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِالحَدِيثِ، وكَانَ الصَّحَابَةُ يَحْفَظُونَه عَنْه، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بَلَّغَهُ الصَّحَابَةُ لِلتَّابِعِينَ، وبَلَّغَهُ التَّابِعُونَ لِمَن بَعْدَهُم مِن أَتْبَاع التَّابِعِين، وَهَكَذَا، حَتَّى كَثُرَ وطَالَت الأَسَانِيدُ، وَبَدَأ التَّصْنِيفُ يَأْخُذُ وَضْعَهُ الطَّبِيعِيَّ؛ لِأَنَّه يُوجَدُ خِلَافٌ في تَصْنِيفِ كِتَابَةِ الحَدِيثِ، وهُوَ مَوْضُوعٌ طَوِيلٌ، فَعْنْدَمَا بَدَأ النَّاسُ يُدَوِّنُونَ صَار اعتِمَادُهُم عَلَى هَذِهِ الدَّوَاوِينِ، ثُمَّ مَع انصِرَامِ القَرْنِ الثَّالِثِ الهِجْرِِيِّ وَيَقْطَع بَعْدَ انصِرَامِ القَرْنِ الرَّابِعِ الهِجْرِِيِّ، أَي بَعْدَ نِهَايَةِ الأَرْبَعِمَائِةِ، أَصَبْحَ مُعَوَّلُ جَمِيعِ مَن جَاء بَعْدَ الأَرْبَعِمِائَةِ الهِجْرِيَّةِ عَلَى هَذِهِ المُصَنَّفَاتِ المَوْجُودَةِ والدَّوَاوِينِ الَّتِي أُلِّفَت في سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ فَأَصْبَحَت رِوَايَتُهُم عَلَى هَذِهِ الكُتُبِ، وَكَانُوا يَحْفَظُونَهَا، كَثِيرٌ مِنْهُمْ كَان يَحْفَظُ مِئَاتِ الآلاَفِ أَو أَكْثَرَ بِطُرُقِهَا، لَكِن لَمَّا قَلَّ الحِفْظُ وَضَعُفَت الهِمَمُ أَصَبْحَ النَّاسُ يَرْوُونَ الأَحَادِيثَ مُجَرَّدَةً (قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِدُونِ ذِكْرِ المُخَرِّجِ، فَلَا يُعْلَمُ هَل أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ أم أبُو دَاودَ أمأَحْمَدُ، هَل أَخْرَجَهُ الحَافِظُ... فَعْنْدَمَا رَأَى العُلَمَاءُ ذَلِكَ بَدَءُوا كُلَّمَا أَوْرَدُوا حَدِيثًا بَعْدَ القَرْنِ الرَّابِعِ الهِجْرِِيِّ يَقُولُون (أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، أَخْرَجَهُ كَذَا) ورَكَّزُوا في بَادِئِ الأَمْرِ عَلَى الدَّوَاوِينِ الكَبِيرَةِ، وَهِيَ الكُتُبُ السِّتَّةُ: البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأبُو دَاودَ والتِّرْمِذِيُّ والنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ ومُسْنَدُ الإِمَامِ أَحْمَدَ ومُوَطَّأُ مَالِكٍ، وبِدَايَةُ تَرْكِيزِهِم كَانَت عَلَى هَذَا، وَلِذَلِكَ نَجِدُ البَيْهَقِيَّ (1) سَنَةَ 458هـ لَمَّا يُخَرِّجُ حَدِيثًا يَقُولُ (أَخْرَجَهُ أَبُو عَبْدِ الله البُخَارِيُّ وَمُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ في كَذَا، أَخْرَجَهُ أبُو دَاودَ) يَعْتَنِي بالتَّخْرِيجِ، وعِنْدَمَا يَذْكُرُ الحَدِيثَ بِسَنَدِهِ هُوَ يَذْكُرُ مَنْ خَرَّجَهُ.
ثُمَّ نَشَأَتْ كُتُبٌ تُسَمَّى (كُتُبَ التَّخَاريِجِ) يَأْتِي أَحَدُ العُلَمَاء مِثْلَ ابنِ كَثِيرٍ (2) في أَحَادِيثِ أُصُولِ الفِقْهِ، أو أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الطَّالِب، وَكَذَا في أُصُولِ الشَّافِعِيَّةِ، فَيُخَرِّجُ أَحَادِيثَ هَذَا الكتاب، وصَنَّفَ ابنُ حَجَرٍ كِتَابِهِ «التَّلْخِيصُ الحَبِيرُ في تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الرَّافِعيِّ (3) الكَبِيرِ» وصَنَّفَ الزَّيْلَعِيُّ(4) «نَصْبَ الرَّايَةِ في تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الهِدَايَةِ».
وَبَدَأ عِلْمُ التَّخْرِيجِ يَنْمُو ويَتَّسِعُ حَتَّى وَصَلَ إِلَى أَن وُجِدَتُ هَذِهِ المَطَابِعُ وَهَذِهِ الثَّوْرَةُ العِلْمِيَّةُ والطِّبَاعِيَّةُ، ووَصَلَ التَّخْرِيجُ إِلَى ذُرْوَةٍ مُعَيَّنَةٍ، خَاصَّةً مَع وُجُودِ أَنْظِمَةُ الحَاسِبِ الآلِيِّ الَّتِي يَسْتَطِيعُ الإِنْسَانُ بِهَا الوُصُولَ لِلْحَدِيثِ بِسُرْعَةٍ، لَكِنَّه غَيْرُ مَأْمُونٍ وَغَيْرُ دَقِيقٍ، وَهَذَا مِن تَجْرِبَتِي وتَجْرِبَةِ كَثِيرٍ مِمَّن استَعْمَلُوهُ، نَعَم هُوَ سَرِيعٌ وجَيِّدٌ لَكِنَّه غَيْرُ مَأْمُونٍ وَغَيْرُ دَقِيقٍ، وسَأُبَيِّنُ لَكُم هَاتَيْنِ الكَلِمَتَيْنِ إِن شَاءَ الله في آخِرِ يَوْمٍ.
هَذِهِ باخْتِصَارٍ النَّشْأَةُ، البَدْءُ، هَكَذَا بَدَءُوا يَحْفَظُونَ، ثُمَّ بَدَءُوا يُخَرِّجُونَ تَخْرِيجًا مُخْتَصَرًا، ثُمَّ بَدَءُوا يَكْتُبُون الكِتَابَ وَالبَابَ، إِلَى أَن وَصَلُوا إِلَى ما نَحْنُ عَلَيْهِ الآنَ، فَيَذْكُرُون أَشْيَاءَ سَنَذْكُرُهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
الموضوع الأصلي : نشاة علم التخريج والتعريف به المصدر : منتدى رحيق الفردوس