حاجة المفسر إلى النحو والصرف واللغة والمعاني والبيان وأصول الفقه
للشيخ العلامة أبي المنذر محمد محفوظ البحراوي المغربي
بسم الله الرحمن الرحيم.
أما بعد:
فإن هذه الرسالة تشتمل على جوابين عن سؤالين شفويين تقدم بهما إلي السيد عبد السلام الرباحي ( وقد توفي السائل يوم عيد الأضحى من عام: 1428 هـ/21 ـ 12 ـ 2007 م). ومضمون السؤالين اشتقاق"وقرن" من قوله تعالى:"وقرن في بيوتكن.."ومضمونها الشرعي. أي إفادتها لوجوب ملازمة المرأة البيت وعدم خروجها لغير حاجة.
واشتقاق "السلالة" من قوله تعالى:" ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين..". ومضمونها. أي إفادتها أن الإنسان بخلقه من الحيوان المنوي يقتضي خلقه من الغذاء المستخلص من التراب فيكون كل إنسان قد خلق من التراب، كما سنرى ذلك واضحا من الجواب.
نص الجوابين:
أما بعد: فإن الفقرة "وقرن في بيوتكن" من الآية الثانية والعشرين من سورة الأحزاب فيها ثلاث قراءات وأربعة أنواع من الأفعال كلها تلتقي في حكم واحد كما يأتي بيانه.
فأما القراءات الثلاث فهي:
1 ـ "وقِرْن في بيوتكن" بكسر القاف، وهي قراءة الجمهور من القراء.
2 ـ "وقَرْن..." بفتح القاف، وهي قراءة نافع وعاصم وأبي جعفر المدني.
3 ـ " واقرِرْنَ..."بكسر الراء الأولى على الإتمام، وهي قراءة نسبها العلامة الآلوسي لابن أبي عبلة ولم أقف عليها في ما بين يدي من كتب القراءات الشاذة .
وأما الأفعال الأربعة فهي:
1) فعَل المفتوح العين المضاعف .
2) فعِل المكسور العين المضاعف .
3) المثال أي فعل المفتوح العين الذي فاؤه واو .
4) فعِل المكسور العين الأجوف .
ـ فأما فعَل المفتوح العين المضاعف اللازم "قَـــرّ " فالمضارع منه "يَــقِــرّ" والأمر اقرِر" حذفت منه الراء الأولى التي هي عين كلمة ونقلت حركتها إلى الفاء، فصار الأمر "قِــرْ" ثم أسند إلى نون الإناث فصار "قِــرْنَ".
ـ وأما فعِل المكسور العين المضاعف اللازم "قرّ" فالمضارع منه "يقَر" بفتح العين و الأمر منه "اقرَرْ" حذفت الراء الأولى كما في المفتوح ثم نقلت حركة العين التي هي الفتحة إلى الفاء فصار الأمر "قَرْ" ثم أسند إلى نون الإناث فصار "قَرْنَ".ونازع بعض العلماء في إفادة هذه الصيغة لمعنى الاستقرار في المكان وخالفهم آخرون فقالوا بذلك منهم: أبو عبيد والزجاج، وهو ظاهر صنيع صاحب المقاييس.
– وأما "فعَل" المفتوح العين (المثال) الذي فاؤه واو"وقر" فالمضارع منه "يــقِـــر" كـ"يَعِدُ" والأمر منه"اِوْقِرْ". حذفت واوه التي هي فاء الكلمة ثم حذفت همزة الوصل لزوال موجبها الذي هو السكون فصار "قِرْ" ثم أسند لنون الإناث فصار "قِرْنَ" فيدخل في قراءة الجماعة، ومعنى "وقر" قريب من معنى "قرّ" قال في معجم المقاييس: إنه يدل على ثقل في الشيء. وفي مفاتيح الأغاني للكرماني، يقال: وقَر يقِر وقارا إذا سكن. ومثل ذلك في مفردات الراغب الأصبهاني .
- وأما فعِل المكسور العين (الأجوف)"قَارَ" فحذفت عينه لما أسند إلى الضمير المتحرك على أصل التقاء الساكنين فصار "قَرْنَ" فالأمر منه كالأمر من فعِل المكسور. ومعنى قرن على هذه اللغة اجتمعن. والاجتماع يلتقي مع الاستقرار والثقل.
ـ الخلاصة:
ـ قراءة الكسر قِرن يحتمل الفعل فيها أن يكون مثالا وأن يكون مضاعفا، وعلى الاحتمالين يفيد الاستقرار و السكون، وقراءة الفتح يحتمل الفعل فيها أن يكون مكسورا مضاعفا وأن يكون مكسورا أجوف، وعلى الاحتمالين يفيد الاستقرار والاجتماع، على أني في شك من ثبوت الفعل الأجوف "قار" وأما قراءة الإتمام "واقْرِرْنَ" فهي متفقة مع قراءة الكسر. على أني لم أقف على هذه القراءة في مصدر معتمد. وعلى كل فالقراءات متفقات على أمر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة البيوت، وكذلك نساء المؤمنين كما قال العلامة الآلوسي. فإن قيل قد جعل ابن خالويه في الحجة، والمارودي في النكت، قراءة الكسر من الوقار؟. فالجواب أن استعمال هذه المادة في الوقار بمعنى الرزانة مجاز. أفاد ذلك الزمخشري في الأساس والزبيدي في التاج. والأصل حمل الكلام على الحقيقة. و المراد بالآية وجوب ملازمة المرأة البيت وعدم الخروج لغير حاجة فإن كان الخروج لحاجة كالصلاة في المسجد، والعمل الذي لا غنى للمرأة عنه، والذهاب إلى السوق، ونحو ذلك، فهذا لا تمنعه الشريعة. يؤكد هذا قوله تعالى:"ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى". فإن تبرج الجاهلية الأولى أن تمشي المرأة بين يدي الرجال متكسرة، متغنجة، ومبدية زينتها، وليس مطلقُ الخروج من تبرج الجاهلية الأولى. فيبقى على أصل الإباحة.
ـ "السـلالـة" لها جهتان: 1) مادتها. 2) صيغتها.
فأما مادتها "س ل ل " فإنها تدور على أصل واحد وهو_كما في مغجم المقاييس_ مد الشيء في رفق وخفاء. ولا شك أن الحيوان المنوي داخل في السلالة من هذه الجهة إذ هو يمتد في رفق وخفاء.
ـ وأما صيغتها فإن "فُعالة" تدل على القلة، ولا شك أن المني متكون من الغذاء الذي هو متكون من التراب. فيستفاد أن المني فيه قليل من التراب بواسطة الغذاء. وعليه فإن الآية تفيد أن كل إنسان خلق من تراب بواسطة المني فالغذاء. وقد نحا هذا المنحى العلامة الآلوسي في تفسيره. ولضيق الوقت جاء الجواب مقتضبا. فإن سنحت الفرصة توسعت حسبما يقتضيه الحال.
وكتبه: محمد محفوظ البحراوي.
5 ـ 5 ـ 1425 هـ / 23 ـ 6 ـ 2004 م
نقله عنه الأخ حسن بن عباس القاسمي
الموضوع الأصلي : حاجة المفسر إلى النحو والصرف واللغة والمعاني والبيان وأصول الفقه المصدر : منتدى رحيق الفردوس