الحمد لله القائل ( ن والقلم وما يسطرون ) و القائل ( اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم ) ؛ والصلاة والسلام على رسوله محمد بن عبد الله الذي أرسله الله - تبارك وتعالى – إلى جميع الأمم ؛ وبعد : فإنه مما لا يخفى على القارئ وطالب العلم ما " للإملاء ] من [ منزلة كبيرة بين الدراسات اللغوية ؛ فهو لا يقل في أهميته وخطره عن النحو والصرف ، وغيرهما ؛ فلكل غايته وهدفه ، وأثره في إبراز العمل الكتاب بصورة متكاملة ، بعيدة عن الأخطاء ، فمما لا ريب فيه أن الخطأ الإملائي يشوه العملَ المكتوب ، وقد يحول دون الفهم الصحيح ، ثم هو مَدْعاة إلى الاحتقار والازدراء .
وهكذا نجد للإملاء في توخيه الرسمَ الصحيح للكلمات العربية هذه الأهمية التي هي في غناء عن الإطناب والإسهاب .
ومع هذا فقد حرم في الآونة الآخيرة ما يستحقه من عناية وتقدير " (1) ؛ لذا نجد في كثير من الكتابات – ولعل أكثرها – كثيرا من الأخطاء الإملائية ، والأغلاط الكتابية ، بحيث يكاد الواحد منا يعجر عن أن ينبه على قليل من ذلك ، فكيف بأكثره ، أو جله ، أو كله ؟!
وليس غرضي من كَتْبِ هذه الأسطر : أن أشيد بهذا العلم – علم قواعد الإملاء - ، ولا أن أستقصئ تلكم الأخطاء ، ولا هاتيكم الأغلاط ؛ لأن هذا يحتاج إلى سِفْرٍ مفردٍ ، ويحتاج إلى جَهد وجُهد ، ولكن غرضي من مقالي – هذا – هو التنبيه على مصطلح شاع استعمالُه في مؤلفات بعض المتأخرين ، ولعل أول من وقفتُ عليه فيمن استعمل هذا المصطلح هو الأستاذ محمود شاكر – رحمه الله – ، وأول كتاب وجدت فيه هذا المصطلح هو كتاب ( أباطيل وأسمار ) ذلكم الكتاب الشائق الرائق الفائق ، ثم وجدته في عدد من كتبه - إن لم يكن كلها - ، ثم وجدت أستاذنا الشيخ عليا الحلبي يستعمله بكثرة وبخاصة في كتبه الأخيرة ، وكنت قد قرأت تعليقا – قبل أكثر من ثلاث سنين – يتعلق بهذا المصطلح ، ودار بخَلدي – لعله من ذلك الوقت – أن أنقله إلى بعض الشبكات ، ولكن شاء الله – تبارك وتعالى – غير ذلك ، والله المستعان ؛ وتذكرت اليوم ، وخطر على بالي ذلكم التعليق ؛ فأحببت نقله إلى الشبكة ، والله أسأل أن ينفع به ؛ فإلى ذلكم التعليق : " ] اعلم – أخي القارئ – أن [ هذه العلامة ] ( = ) ( المساواة ) [ من علامات الترقيم جديرة بالاهتمام والإشاعة ، لعظيم نفعها . مع أني لم أجدها في أصول هذا العلم – علم علامات الترقيم – بالمعنى والإفادة التي في هذا الاستخدام ؛ وإنما وجدتها بهذه الإفادة في كتب وتحقيقات العلامة محمود شاكر ، فانظر ( أسرار البلاغة ) لعبد القاهر الجرجاني ( 7 ، 13 ، 80 ، 81 ) . أما المعاني المنصوص لها في كتب علامات الترقيم التي ذكَرَتْها مثل كتاب ( فن الترقيم ) لعبد الفتاح الحموز (81) ، فهي تستخدم لـ ( المماثلة ، والمتابعة ، والمساواة ) ، وليس فيها الاستخدام الذي أنبه عليه هنا . هذا مع أن بعض كتب علامات الترقيم لم تذكرها البتة ، مثل كتاب ( الترقيم وعلاماته ) لأحمد زكي باشا ، و ( الإملاء والترقيم ) لعبد العليم إبراهيم .
والذي أستحبُّه من موضع استخدامها ، كما في المواضع المذكورة آنفا في تحقيق محمود شاكر ( أسرار البلاغة ) ، هو :
أن تُوضع قبل تتمة لكلام تأخرت عن بدايته بفاصل طويل ، مثل تأخير الخبر عن المبتدأ .
أو جواب الشرط عن فعله ونحوهما .
وسبب استحبابي ذلك لأمرين :
الأول : حاجة الموطن المذكور لها إلى علامة تظهر أن ما بعدها هو تتمة الكلام ؛ لطول الفاصل ، مما قد يشوش على القارئ فَهْمَ الكلام إذا لم نُعِـنْهُ بمثل هذه العلامات .
الثاني : أن صورة هذه العلامة قد شاعت في الحسابات بمعنى المساواة ؛ لذلك فهي صالحة في الموطن الذي أستحبه ؛ لأن ما بعدها كأنه نتيجة لما قبلها .
أما استخدام هذه العلامة في الجمل المعترضة ، كما يفعله محمود شاكر أيضا في بعض المواطن ؛ فلا أستحبه ؛ لأن ذلك يفسد المعنى الذي نريده منها في الاستخدام السابق ، ولأن الجمل المعترضة قد اصطلح لها استخدام الخطين المعترضين قبل الجملة وبعدها ( - ..... - ) ، أو القوسين" .(2) .
(1) ( دراسة في قواعد الإملاء ) للدكتور عبد الجواد الطيب ص (5) .
(2) ( العنوان الصحيح للكتاب ) للدكتور حاتم بن عارف العوني حاشية ص (5-6) .
الموضوع الأصلي : الضابط الصحيح لوضع علامة ( = ) ( المساواة ) في ربط الكلام المصدر : منتدى رحيق الفردوس