ذكر الشيخ حافظ بن أحمــد الحكمي -رحمة الله تعالى- في كتابه العُجاب "معارج القبول بشرح سلَّم الوصول إلى علم الأصول" [ص 270 - 271]:
أصل القول بخلق القرآن
وأول ما اشـتهر القول بخلق القرآن في آخر عصر التَّابعين لمَّــا ظهر جهم بن صفوان شقيق إبليس -لعنهما الله- وكان ملحداً عنيداً وزنديقاً مبتغياً غير سبيل المؤمنين لم يثبت أنَّ في السَّماء رباً ، ولا يصف الله تعالى بشيء مما وصف به نفسه ، وينتهي قوله إلى جحود الخالق عزَّ وجلَّ.
ترك الصَّلاة أربعين يوماً يزعم يرتاد ديناً ، ولمَّا ناظره بعض السمنيَّة في معبوده قال قبَّحه الله: هو هذا الهواء في كلِّ مكان ، وافتتح مرَّة سورة طــه فلمَّا أتى على هذه الآية {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] قال: لو وجدتُ السَّبيل إلى حكِّها لحككتها ، ثم قرأ حتى أتى آية أخرى فقال: ما كان أظرف محمداً حين قالها ، ثم افتتح سورة القصص فلمَّا أتى على ذكر موسى جمع يديه ورجليه ثم رفع المصحف ثم قال: أي شيء هذا ذكره ههنا فلم يتم ذكره, وذكره ههنا فلم يتم ذكره.
وقد رُوِىَ عنه غير هذا من الكفريات ، وهو أذلُّ وأحقرُ من أن نشتغل بترجمته. وقد يسَّــر الله تعالى ذبحه على يد سالم بن أحوز بأصبهان وقيل: بمرو ، وهو يومئذٍ نائبها رحمة الله تعالى وجزاه عن المسلمين خيراً.
وقد تلقى هذا القول عن الجعد بن درهم لكنَّه لم يشتهر في أيام الجعد كما اشتهر عن الجهم ، فإنَّ الجعد لمَّا أظهر القول بخلق القرآن تطلبه بنــو أميَّــة فهرب منهم فسكن الكوفة فلقيه الجهم بن صفوان فتقلَّـد هذا القول عنه ولم يكن له كثير أتباع غيره ، ثم يسَّـر الله تعالى قتل الجعد على يد خالد بن عبدالله القسري الأمير ، قتله يوم عيد الأضحى بالكــوفة ، وذلك لأن خالداً خطب النَّاس فقال في خطبته تلك:
أيُّها النَّاس ضحوا تقبَّل الله ضحاياكم ، فإنِّي مضحٍ بالجعد بن درهم ، إنَّه زعم أنَّ الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يُكلِّــم موسى تكليماً ، تعالى الله عمَّا يقول الجعد علواً كبيراً. ثم نزل فذبحه في أصل المنبــر ، روى ذلك البخاري في كتابه (خلق أفعال العباد) ، ورواه ابن أبي حاتم في كتاب السُّنَّة له وغيرهما ، وهو مشهور في كتب التَّواريخ ، وذلك سنة أربع وعشرين ومائة.
وقد أخذ الجعد بدعته هذه من بيان بن سمعان ، وأخذها بيان عن طالوت ابن أخت لبُيـد بن الأعصم ، وأخذها طالوت عن خاله لبيـد بن الأعصم اليهودي الذي سحر النَّبي -صلى الله عليه وسلم- وأنزل الله تعالى في ذلك سورة المعوذتين. ثم تقلَّـد هذا المذهب المخذول عن الجهم بِشر بن غيَّاث بن أبي كريمة المريسي المتكلم ، شيخ المعتزلة وأحد من أضلَّ المأمون وجدَّد القول بخلـق القرآن ويقال إنَّ أباه كان يهودياً صباغاً بالكوفة وروي عنه أقوال شنيعة في الدين من التَّجهم وغيره مات سنة ثماني عشرة ومائتين.
ثم تقلَّـد عن بِشر ذلك المذهب الملعون قاضي المحنة أحمد بن أبي دُاوَد وأعلن بمذهب الجهميَّـة وحمل السُّلطان على امتحان النَّاس بالقول بخلق القرآن وعلى أنَّ الله لا يُرى في الآخرة ، وكان بسببـه ما كان على أهل الحديث والسُّنَّة من الحبس والضَّرب والقتل وغير ذلك ، وقد ابتلاه الله تعالى بالفالج قبل موته بأربع سنين حتى أهلكه الله تعالى سنة أربعين ومائتين.
ومن أراد الاطلاع على ذلك وتفاصيله فليقرأ كتب التَّواريخ ير العجب. اهـ
__________________
محمد الخضري ( أبومسلم )
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" و لا شك أن هذا التفرق يؤلم كل مسلم و يجب على المسلمين أن يجتمعوا على الحق و يتعاونوا على البر و التقوى, ولكن الله سبحانه قدر ذلك على الأمة لحكم عظيمة و غايات محمودة يحمد عليها سبحانه و لا يعلم تفاصيلها سواه ومن ذلك التمييز بين أوليائه و أعدائه و التمييز بين المجتهدين في طلب الحق و المعرضين عنه المتبعين لأهوائهم إلى حكم أخرى".
(الفتاوى( 3 / 59 ) في رده على الصابوني)
الموضوع الأصلي : أصل القول بخلق القرآن !!! المصدر : منتدى رحيق الفردوس