و أخيــــــــــــــــــــــــــراً ..
تنهيـــدة عميقة .. و ابتسامة واسعة على وجه تعلوه علامــــات الرضــا التام .. و أخيــــــراً ..
مكتبتي الخاصة ..
تقدم بخطوات مختالة نحو المدفأة الرخامية الباردة و اتكأ عليها للحظات متأملا بفخر مجموعة بنادق
الصيد التي لم تحتج التنظيف يوما عدا عن مسح الغبار الروتيني الذي يقوم به الخادم الهندي
دورياً .. تأملها هنيهة ثم التقط السيخ الذهبي اللمّاع الذي ما مسّ يوماً حطباً و لا حرك جمراً ..
فكلاهما لا يصلح لتبريد الجو في الصيف .. و لا يلزمان لتدفئة الجو الدافيء أصلاً في أيام الشتاء .. !
التقط السيخ و لوح به في الهواء بطريقة مسرحية و صوبه نحو الجدار المقابل .. و هنا انتفخ صدره في زهو ..
و لمعت عيناه ببريق النصر .. و أخيــراً ..
قبل لحظات فقط وصل الطرد .. الطلبية الأخيرة .. اللبنة الأخيرة في بنائه العظيم لهذه المرحلة ..
المجموعة الأخيرة من الكتب التي أوصى بها من احدى المكتبات العالمية وصلت اخيراً ..
راقب خادمه الهندي بلهفة و هو يضعها في مكانها المحدد .. إنه ليس خادماً عادياً .. إنه .. لنقل ..
خبير .. أجل .. خبير جلبه خصيصاً ليعني بهذا الكنز .. ليتعهده بالرعاية و الاهتمام الشديدين ..
فيحرص على إبقاء المكان لامعا براقا .. تماما كأغلفة الكتب التي اختار طبعاتها بعناية ..
ليس هذا فقط .. بل عليه أن يتابع إصدارات الكتب على الدوام و العمل على إضافة الجديد و النفيس دورياً الى هذه المكتبة
.. كي يظل كنزه متجدداً و متميزاً .. و فريداً .. فهو شخص لا يرضى إلا بالأفضل .. البيت الأفضل ..
المكتبة الأفضل .. و المتعهد الأفضل ..
فمتعهد المكتبة الذي استجلبه عبر وكالة توظيف عالمية و الذي يحلو له مناداته بخادم المكتبة ,
يتحدث خمس لغات و هو قادر على تصنيف كتبه العشرة آلاف بدقة ..
و يملك من الذوق بحيث يراعي أن تبقى الكتب الأهم و الأكثر لفتا للانتباه في الصدارة .. !
انه كنزي الجديد ..
مكتبتي العظيمة ..
عشرة آلاف كتاب و مجلد ..
أكبر من مكتبته بمائة و خمسين عنواناً .. لقد تجرأ على اتهامي يومها بالجهل على الملأ .. لقد تساوينا الآن ..
لن يجرؤ أحد على اتهامي بقلة الثقافة أو عدم الاطلاع ..
و لن أصور اللقاءات الصحفية جالسا في مكتبي بعد الآن ..
بل هنا .. سأجلس على هذه المقاعد الجلدية الفاخرة و تحيط بي مكتبتي العظيمة ..
و سأحرص على أن تظهر كتب الفقه الاسلامي في الخلفية ..
و ان احتاج الأمر سآمر الخادم بأن يحرك هذه المقاعد بحيث تظهر الكتب الأجنبية التي لا علم لي بأي اللغات هي في الخلفية ..
أو ربما أشتري مقاعد أخرى لأضعها في ذلك الجانب ..
فكرة حسنة ..
عاود النظر الى مكتبته التي اضطر لبنائها لأن يهدم جدارين كاملين من حجرة المكتب القديمة بالإضافة سقف الحجرة التي تعلوها ..
و نقل مكتبه إلى حجرة أخرى من منزله الضخم ..
و كلفته جملة ..
أي البناء و التصاميم و الديكورات الخشبية الفاخرة و الأرضية الرخامية و الموقد الضخم البارد ,
بالإضافة الى الكتب العشرة آلاف و أجهزة الحماية الفائقة الحساسية ما مجموعه أحد عشر مليون دولاراً ..
لا يهم ..
و أخيراً .. بنيت صرحي الثقافي العظيم ..
جال بنظره في المكان للمرة الأخيرة ..
قبل أن يغادره بخطوات بطيئة و هو يتأمل جمال المكان و روعته في رضى تام ..
دار على كعبه برشاقة دورة أخيرة .. و ألقى على المكان نظرة .. أخيرة ..
أطفأ النور .. و غادر صرحه الثقافي العظيم على أمل اللقاء بعد 3 أسابيع ..
موعده مع المذيعة الحسناء للقناة التي لم يتابعها يوما ..
لست أملك الوقت للتلفاز يا سادة .. لا ترمقوني بنظراتكم بهذا الشكل ..
و لا أملك الوقت للقراءة و المطالعة أيضاً ..
ماذا عنكم ؟
أتحداكم ..
كلكم يشبهني .. و لستم بأفضل مني في شيء ..
كلكم مثلي ..
رفع حاجبه الايسر في تحد صريح ..
هل تنكرون ؟
الموضوع الأصلي : مدفأه .. بلا .. حطب المصدر : منتدى رحيق الفردوس