من قصيدة " أغنية "
للشاعر الأستاذ / صلاح عبد الصبور
لينتثرْ فتاتُ لحمنا على جناح عيشنا الغريبْ
ولنتغرّبْ في قفار العمر والسهوبْ
ولننكسرْ في كل يومٍ مرتينْ
فمرةً حين نقابل الضياءْ
ومرةً حين تذوب الشمس في الغروبْ
فقد أردنا أن نرى أوسعَ من أحداقنا
وأن نطول باليد القصيرة المجذوذة الأصابع
سماءَ أمنيّاتنا
الله يا وحدتي المغلقة الأبوابْ
الله لو منحتني الصفاءْ
الله لو جلست في ظلالك الوارفة اللفَّاءْ
أجدل حبل الخوف والسأمْ
طول نهاري
أشنق فيه العالم الذي تركته ورا جداري
ثم أنام غارقًا، فلا يغوص لي
حُلُمْ
حين تصير الرغبات أمنياتْ
لأنها بعيدة المطال في السما
ثم تصير الأمنيات وَهْما
لأنها تقنّعت بالغيم والضبابْ
وهاجرت مع السحابْ
واستوطنت أعاليَ الهضابْ
ثم يصير الوهم أحلاما
لأنه مات، فلا يطرق سور النفس إلا حين يظلم المساءْ
كأنه أشباح ميتين من أحبابنا
ثم يصير الحلم يأسًا قاتمًا وعارضًا ثقيلا
أهدابنا
أثقل من أن ترى
وإن رأت فما يرى العميانْ؟
أقدامنا
أثقل من أن تنقل الخطى
وإن خطت تشابكت، ثم سقطنا هزأةً كبهلوانْ
نصرخ، يا ربنا العظيم، يا إلهنا
أليس يكفي أننا موتى بلا أكفانْ
حتى تذلّ زهونا وكبرياءنا؟
حزني ثقيلٌ فادحٌ هذا المساءْ
كأنه عذاب مصفّدين في السعيرْ
حزني غريب الأبوينْ
لأنه تَكوَّن ابنَ لحظةٍ مفاجئه
ما مخضته بطنْ
أراه فجأةً إذا يمتدّ وسط ضحكتي
مكتملَ الخلقة، موفور البدنْ
بعد سُباتٍ في الدهورْ
كأنه استيقظ من تحت الركامْ
الموضوع الأصلي : أغنية المصدر : منتدى رحيق الفردوس