قصيدة شعرية : للشيخ الأديب محمد بوسلامة.
هذه قصيدة قلتها معزّيا ومسلّيا لصاحبنا الدكتور الفقيه عبد المجيد جمعة في مصابه بأصغر أولاده عبد الرحيم الأغر، وهي قصيدة قلتها في مقام التعزية
وإنا لله وإنا إليه راجعون:
ألا سَلِّ عنكَ الهَمَّ سلوةَ عـازمِ -- لدى المؤلماتِ الموجعات الصَّوارِمِ
فإنَّكَ مِن قومٍ تسَـامَوْا بعَزمِهمْ -- وإنَّ البَــلاَ يـأتي بقَدْرِ العزَائمِ
وللدَّهرِ طوْرًا في الأنامِ حـلاوَةٌ -- وطورًا له فيهم مَذاقُ العَـلاقِمِ[1]
فلا يأمنُ الأيامَ إلا مُغَمـَّرٌ[2] -- جَهُولٌ بأَنَّ البَيـدَ أرضُ الأراقِمِ[3]
ولكنَّ أهلَ العلمِ والعزمِ والنهى -- بصائِرُهُم نورٌ لــدَى كلِّ عاتِمِ[4]
إليـك أيَا عبدَ المجيدِ قصيـدَتِي -- وما كنتُ قبلاً في العزاءِ بنَــاظِمِ
ولكنَّنِـي لمـَّـا أتَيتُ عشيَّـةً -- أعزِّيكَ في حِبٍّ جَمِيلِ المَــبَاسِمِ
رأيتُ مُحَيَّاكَ الـكَرِيمَ مُحَزَّنًـا -- يبــوحُ بِوُجْدٍ مِن صَبُورٍ مُكَاتِمِِ
فهاجَ عَليَّ الحُزنُ من كـلِّ جَانِبٍ -- فكـانَ لَهُ بَثٌّ بهَـاذِي المَرَاقِمِ
فإنْ تَكُ محزُونَ الفُـؤَادِ مـؤَرَّقًا -- بلَيلٍٍ طَويلٍ لســـتَ فيهِ بنَائِمِ
تُناجِي بهِ الأطْيَافَ والقَلبُ والِهٌ -- وعيناكَ تَهْمِي بالدُّمُوعِ السَّـوَاجِمِ
فإنَّكَ "بالقَطَّارِ"[5] أَغْرَسْتَ غرسَةً -- تنالُ جنَاهَا في جِنَانِ المكارِمِ[6]
وللنَّاسِ في خيرِ البَرِيَّـةِ أُسـوَةٌ -- إذَا مَا بَدا يَـومٌ غَيرُ بَـــاسِمِ
فقَد مَــاتَ إبراهيمُ حِبُّ محمَّدٍ -- فَـلاَقَى بِه حزنًا نَبِيُّ المَرَاحـمِ
فسَلَّمَ للرَّحمَــانِ في أمرِ حُكمِهِ -- وأَرضَى بِقَولِ الحقِّ ربِّ العَـوَالِمِ
ومَا تصنَــعُ الأيَّام في قلبِ مؤمِنٍ-- يرَى مِحنَـةَ الأَيَّامَ مِنْـحَةَ غَانِمِ
وإنَّكَ إِذْ تُبْلَى الرِّجَالَُ لعَــالِمٌ -- بَصِيـرٌ بِصَرفِ الدَّهرِ عَـالي الشَّكَائِمِ
فقيـهٌ لَبِيـبٌ في دَمَاثَةِ ماجدٍ -- لَهُ قَد سَمَـــا بيتٌ عزيزُ الدَّعَائِمِ
وقُلْ لِلَّتِي بَاتَتْ تُبَـكِّي[7] وليدَهَا -- وفي قَلبِها مِن مَوتِه حَرُّ جَاحِمِ[8]
تراجِعُ أمرًا قدَّرَ اللهُ فِعلَــهُ -- وقدْ زَادَهَا حُزْنًا مَلاَمَةُ لاَئِـــــمِ
ألاَ هَوِّنِي عَنكِ المُصَابَ بِحِسْبَــةٍ -- تَرَيْنَ لَهَا فَضْلاً لِرَبِّ المَكَــارِمِ
فَكَم مَرأَةٍ مَاتَ الوَلِيدُ بحِضْنِــهَا -- ولم يَكُ مِنهَا الحِضنُ يَومًا بِعَاصِـمِ
وكم مَرأَةٍ جَدَّت بربطِ وَليدِهـا -- فمَا صدَّ عَنهُ الموتَ ربطُ المَحَـازِمِ
فصَبرٌ جَميلٌ ذُخركم آلَ جُمعَــةٍ -- وإنَّ جَميلَ الصَّبرِ حِلْيُ الأَكَـارِمِ
سَقَى اللهُ يا عبدَ الرَّحيمِ لَكَ الثَّـرَى -- وفاضَ علَيكَ الرُّحْمُ فَيضَ الغَمَائِـمِ.
كبته الشيخ الأديب محمد بوسلامة.
نسخه من مجلة الإصلاح العدد 17:
أبو عبد البصير حاتم.
-----------------
[1]العلاقم: جمع علقم: الحنضل، طعمه مرّ.
[2]من لم يجرّب الأمور.
[3]الأراقم: جمع أرقم من أخبث الحيات.
[4]العاتم: الليل.
[5]اسم مقبرة بالجزائر العاصمة.
[6]هذا من باب الدعاء ورجاء الخير.{التحرير}
[7]تُبَكِّي: تبكي عليه.
[8]الجاحم: الجمر الملتهب.
الموضوع الأصلي : قصيدة الشيخ محمد بوسلامة في تعزية شيخنا عبد المجيد جمعة الجزائري المصدر : منتدى رحيق الفردوس