لا إله إلا الله ، قصة عظيمة من قصص الهدي النبوي على صاحبه أفضل السلاة وأتم التسليم ، وكنت قد بحثت عن مرجع أنقل لكم منه الخبر فما وجدت أبلغ بيانا وأفصح منطقا من سرد عائشة رضي الله عنها وأرضاها لما حدث .. أسلوب محكم وإلمام متكامل بالخبر وما تفرع منه وما ترتب عليه .. رضي الله عنها وعن أبيها وصلى الله وبارك وسلم على زوجها المطفى محمد ..
بعد فراغي إخوتي وأخواتي من نقل الخبر أترككم فيما يلي مع الفوائد المستنبطة من القصة ..
.
[ الفائدة الأولى ] ـ تحري المصداقية في قبول الخبر والتأكد منه ..
موطن الإستشهاد هو قوله تعالى [ ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم ] ..
.
[ الفائدة الثانية ] ـ الأصل في أهل الخير والصلاح هو البراءة من الكبائر مالم تثبت عليهم ..
موطن الإستشهاد هو ما قاله أسامة رضي الله عنه [ يا رسول الله أهلك ولا نعلم إلا خيرا ] وما قالته زينب بنت جحش رضي الله عنها [ ما علمت إلا خيرا ] ..
.
[ الفائدة الثالثة ] ـ ثبوت عدم علم الرسول عليه الصلاة والسلام للغيب ..
وموطن الإستشهاد هو ما جاء في نص الأثر عند البخاري وفيه [ ثم قال أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ] فلو كان يعلم الغيب صلى الله عليه وسلم لما سألها وما ظل أكثر من شهر ينتظر الوحي ..
.
[الفائدة الرابعة ] ـ الذي تولى كبره هو عبدالله بن أبي ابن سلول ، فهو من أشاع الخبر ووشاه ..
موطن الإستشهاد هو تصريح عائشة رضي الله عنها بإسمه [ وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي ابن سلول ] ..
.
[ الفائدة الخامسة ] ـ عدم جواز سب الصحابة وإن بدر منهم الخطأ ..
موطن الإستشهاد هو ما جاء في نص الأثر عند البخاري [ كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان ] ..
.
[ الفائدة السادسة ] ـ العفو والصفح من المنازل العالية والشيم الرفيعة في الإسلام ..
موطن الإستشهاد هو قول الحق تبارك وتعالى في سورة النور [ وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله ] ..
.
[ الفائدة السابعة ] ـ علو شأن من حضر بدرا من الصحابة ..
موطن الإستشهاد هو قول عائشة رضي الله عنها [ فقلت لها بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا ] ..
.
[ الفائدة الثامنة ] ـ وجوب تغطية المرأة وجهها في حضرة الرجال الأجانب ..
موطن الإستشهاد هو ما جاء في نص الأثر عند البخاري على لسان عائشة رضي الله عنها [ فخمرت وجهي بجلبابي و والله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه ] ..
.
[ الفائدة التاسعة ] ـ استحسان استشارة الفتيان كما حدث من الرسول عليه الصلاة والسلام مع علي وأسامة رضي الله عنهم ..
موطن الإستشهاد هو ما جاء في نص الأثر عند البخاري على لسان عائشة رضي الله عنها [ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي الله عنهما حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله ] ..
وقد ذكر ابن حجر رحمه الله في الفتح استئناسا لطيفا عن هذه الفائدة حيث قال رحمه الله :
والعلة في اختصاص علي وأسامة بالمشاورة أن عليا كان عنده كالولد لأنه رباه من حال صغره ثم لم يفارقه , بل وازداد اتصاله بتزويج فاطمة فلذلك كان مخصوصا بالمشاورة فيما يتعلق بأهله لمزيد اطلاعه على أحواله أكثر من غيره ; وكان أهل مشورته فيما يتعلق بالأمور العامة أكابر الصحابة كأبي بكر وعمر . وأما أسامة فهو كعلي في طول الملازمة ومزيد الاختصاص والمحبة , ولذلك كانوا يطلقون عليه أنه حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ; وخصه دون أبيه وأمه لكونه كان شابا كعلي , وإن كان علي أسن منه . وذلك أن للشاب من صفاء الذهن ما ليس لغيره , ولأنه أكثر جرأة على الجواب بما يظهر له من المسن , لأن المسن غالبا يحسب العاقبة فربما أخفى بعض ما يظهر له رعاية للقائل تارة والمسئول عنه أخرى ..
.
[ الفائدة العاشرة ] ـ وجوب إقامة الحد على مستحقيه وإن كانوا من علية القوم ..
موطن الإستشهاد أن حسان بن ثابت رضي الله عنه جُلد لأنه من أهل الإفك رغم علو شأنه ومنزلته في الإسلام رضي الله عنه وأرضاه ..
.
[ الفائدة الحادية عشر ] ـ فضل التحلي بالصبر والتريث في إصدار الحكم ..
موطن الإستشهاد هو قوله تعالى [ ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم ] .. ويعضده قول الحق في سورة الحجرات [ يا أيها اللذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة ] رغم إختلاف السبب في الموضعين ..
.
[ الفائدة الثانية عشر ] ـ تواضع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ..
موطن الإستشهاد هو ما جاء في نص الأثر عند البخاري على لسانها رضي الله عنها [ والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى ] ..
.
[ الفائدة الثالثة عشر ] ـ علو منزلة أمهات المؤمنين عن بقية النساء المسلمات ..
موطن الإستشهاد هو ما أثر عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه في حديثه مع زوجته عن حادثة الإفك حين قالت له بعد حوار بينهما : ولو كنت أنا بدل عائشة رضي الله عنها ما خنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعائشة خير مني وصفوان خير منك ، وكذلك قول الحق تبارك وتعالى في سورة الأحزاب [ يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ] .. ويعضد ذلك أيضا ما رواه النووي في شرح صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه قال : لم تزن امرأة نبي من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وهذا إكرام من الله تعالى لهم .
.
[ الفائدة الرابعة عشر ] ـ حرص المنافقين على زعزعة رأي المسلمين وإثارة الفتن ..
موطن الإستشهاد هو ما كان من عبدالله بن أبي بن سلول وحرصه على نشر الخبر وإشاعته ووشايته ..
.
[ الفائدة الخامسة عشر ] ـ كفر من قال بوقوع عائشة المطهرة رضي الله عنها في الزنى لأن في قولهم تكذيب صريح للقرآن ..
موطن الإستشهاد هو قوله تعالى [ وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ] ..
وقد ذكر ابن قدامة المقدسي رحمه الله في لمعة الإعتقاد :
(( أما من قذف أم المؤمنين عائشة بعد نزول براءتها من السماء فهو كافر مكذب للقرآن فيقتل )) ..
كما ذكر الإمام الذهبي رحمه الله في الكبائر :
(( ومن السنة الترضي عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين المطهرات المبرءات من كل سوء ، أفضلهن خديجة بنت خويلد وعائشة الصديقة بنت الصديق التي برأها الله في كتابه زوج النبي في الدنيا والآخرة ، فمن قذفها بما برأها الله منه فقد كفر بالله العظيم )) ..
وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد :
(( واتفقت الأمة على كفر قاذفها )) ..
وقال السيوطي رحمه الله في الإكليل عند آية [ إن الذين جاؤوا بالإفك ..... ] :
(( نزلت في براءة عائشة رضي الله عنها فيما قذفت به ، فاستدل به الفقهاء على أن قاذفها يقتل لتكذيبه لنص القرآن ، قال العلماء قذف عائشة كفر لأن الله سبح نفسه عند ذكره فقال [ سبحانك هذا بهتان عظيم ] ؛ كما سبح نفسه عن ذكر ما وصفه به المشركون من الزوجة والولد )) ..
وعقوبة قاذفها أن يُقتل مرتدا عن ملة الإسلام ..
وقال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم في صدد تعداده الفوائد التي اشتمل عليها حديث الإفك :
(( الحادية والأربعون : براءة عائشة من الإفك وهي براءة قطعية بنص القرآن العزيز ، فلو تشكك فيها إنسان - والعياذ بالله - صار كافرا مرتدا بإجماع المسلمين )) ..
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى [ إن الذين يرمون المحصنات ..... ] :
(( وأجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سبها بعد هذا ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في هذه الآية فإنه كافرٌ لأنه معاندٌ للقرآن )) ..
.
[ الفائدة السادسة عشر ] ـ استحسان الإنفاق على الفقراء والمحتاجين وإن بدر منهم ما يسوء المتصدق ..
موطن الإستشهاد هو قول الله تبارك وتعالى [ ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ] ..
.
[ الفائدة السابعة عشر ] ـ باب التوبة مفتوح لمن أذنب أيا كان ذنبه .. موطن الإستشهاد هو ما جاء في نص الأثر عند البخاري على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب عائشة رضي الله عنها [ وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه ] ..
.
[ الفائدة الثامنة عشر ] ـ علو منزلة عائشة رضي الله عنها إذ نزل في شأنها وحيا ً يتلى إلى يوم القيامة ..
موطن الإستشهاد هو الآيات العشرة التي وردت في سورة النور وأبتدأها الله بقوله [ إن الذي جاءوا بالإفك عصبة منكم ] وبها تبرئة صريحة لها رضي الله عنها وأرضاها ..
.
[ الفائدة التاسعة عشر ] ـ استحسان سؤال من له صلة بمن اتهم بذنب أو خطيئة ..
موطن الإستشهاد هو سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم للجارية [ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك ] ..
.
[ الفائدة العشرون ] ـ عظم جرم من تحدث بالإفك لأنه تعدى على حرمة بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
موطن الإستشهاد هو ما جاء في نص الأثر عند البخاري على لسانه صلى الله عليه وسلم [ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ] ..
.
.
آمل أن يكون الموضوع قد حاز على إستحسان الجميع ورضاهم ، لا أزعم بأنه مرجع عن الحادثة فتنقصه الكثير من المكملات والأساسيات ، ولكنه جهد بسيط من مبتدئ ٍ يحب رسول الله وأهل رسول الله ويفديهم بأبيه وأمه وبروحه .. يسوءه ويكدر صفوه الغمز واللمز الذي يصدر بين الفينة والأخرى من بعض الطوائف المنتمية للإسلام - زعموا - ، وما يتناقلونه في وسائل إعلامهم المقروءة والمسموعة من زور وظلم وبهتان وتعدٍ سافر على حرمة أشرف بيت على الوجود ، شع منه نور الإسلام وخرجت لنا منه أحكام ديننا ، ولهو أحق بيت بالدفاع عنه وتنزيهه عما يوصم به ..
صلى الله وسلم وبارك على رسولنا الحبيب ، ورضي الله عن أمنا الطاهرة المطهرة عائشة الصديقة بنت الصديق ورضي عن أبيها ، ورزقنا والمسلمين حسن التأدب مع رسول الله ومع صحابته الأخيار ، الذين زكاهم الله من فوق سبع سماوات في وحي يتلى إلى يوم القيامة .. رضي الله عنهم أجمعين .
أترككم جميعا في حفظ ربي ورعايته ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الموضوع الأصلي : قصة الإفك عن عائشه رضي الله عنها المصدر : منتدى رحيق الفردوس