قال رحمه الله :
النِّيَّةُ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ دُونَ اللِّسَانِ بِاتِّفَاقِهِمْ، فَلَوْ لَفَظَ بِلِسَانِهِ غَلَطًا بِخِلَافِ مَا نَوَى فِي قَلْبِهِ كَانَ الِاعْتِبَارُ بِمَا نَوَى، لَا بِمَا لَفَظَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ خِلَافًا إلَّا أَنَّ بَعْضَ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَرَّجَ وَجْهًا فِي ذَلِكَ، وَغَلَّطَهُ فِيهِ أَئِمَّةُ أَصْحَابِهِ.
وَكَانَ سَبَبُ غَلَطِهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: إنَّ الصَّلَاةَ لَا بُدَّ مِنْ النُّطْقِ فِي أَوَّلِهَا.
وَأَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِذَلِكَ: التَّكْبِيرَ الْوَاجِبَ فِي أَوَّلِهَا، فَظَنَّ هَذَا الْغَالِطُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَرَادَ النُّطْقَ بِالنِّيَّةِ، فَغَلَّطَهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ جَمِيعُهُمْ.
وَلَكِنْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِالنِّيَّةِ سِرًّا أَمْ لَا؟ هَذَا فِيهِ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ لِلْفُقَهَاءِ.
فَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ: يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِهَا ؛ لِكَوْنِهِ أَوْكَدَ ؛ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا: لَا يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ لَمْ تُنْقَلْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ، وَلَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِالنِّيَّةِ، وَلَا عَلَّمَ ذَلِكَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كَانَ هَذَا مَشْهُورًا مَشْرُوعًا لَمْ يُهْمِلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، مَعَ أَنَّ الْأُمَّةَ مُبْتَلَاةٌ بِهِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ.
وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ.
بَلْ التَّلَفُّظُ بِالنِّيَّةِ نَقْصٌ فِي الْعَقْلِ وَالدِّينِ.
أَمَّا فِي الدِّينِ فَلِأَنَّهُ بِدْعَةٌ.
وَأَمَّا فِي الْعَقْلِ فَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُرِيدُ يَأْكُلُ طَعَامًا فَيَقُولُ: نَوَيْتُ بِوَضْعِ يَدِي فِي هَذَا الْإِنَاءِ أَنِّي أُرِيدُ أَنْ آخُذَ مِنْهُ لُقْمَةً فَأَضَعَهَا فِي فَمِي فَأَمْضُغَهَا ثُمَّ أَبْلَعَهَا لِأَشْبَعَ.
مِثْلُ الْقَائِلِ الَّذِي يَقُولُ: نَوَيْتُ أُصَلِّي فَرِيضَةَ هَذِهِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَيَّ حَاضِرَ الْوَقْتِ، أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي جَمَاعَةٍ، أَدَاءً لِلَّهِ تَعَالَى.
فَهَذَا كُلُّهُ حُمْقٌ وَجَهْلٌ، وَذَلِكَ أَنَّ النِّيَّةَ بَلِيغُ الْعِلْمِ، فَمَتَى عَلِمَ الْعَبْدُ مَا يَفْعَلُهُ كَانَ قَدْ نَوَاهُ ضَرُورَةً، فَلَا يُتَصَوَّرُ مَعَ وُجُودِ الْعِلْمِ بِالْعَقْلِ أَنْ يَفْعَلَ بِلَا نِيَّةٍ: وَلَا يُمْكِنُ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ أَنْ تَحْصُلَ نِيَّةٌ.
الموضوع الأصلي : فائدة !! حكم التلفظ بالنية ، لشيخ الإسلام رحمه الله .. المصدر : منتدى رحيق الفردوس