السمع والطاعة لمن تأمر علينا ولو
كان عبدا حبشيا
قال الشيخ [محمد بن عبد الوهاب] رحمه الله:
[ إن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمر علينا ولو كان عبدا
حبشيا ] . الشرح [العبيلان]: هذا الأصل من أعظم الأصول التي
قلما يلتزم بها لب\ناس مع أن أمر المسلمين لن
يلتئم وتقوى شوكته إلا باجتماعهم
على إمام . قال ابن عباس :
(ليلة من إمام
خير من أن تمطر
أربعين صباحا ) . ولا يشترط أهل السنة والجماعة في الإمام أن يكون معصوما
فهذا من عقيدة الخوارج والشيعة . بل يكون مسلما يقود الناس بكتاب الله عز وجل وسنة
رسوله صلى الله عليه وسلم . وقد وردت آيات في القرآن كقوله تعالى :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا
الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )(النساء: من الآية59) ، وأحاديث في
السنة تأمر بطاعة الإمام وتحذر من الخروج عليه .
ولا يخرج على الإمام إلا أحد
أصناف ثلاثة :الصنف الأول
: طلاب الدنيا كالأموال والولايات . وهؤلاء
يجب على المسلمين قتالهم . قال عليه الصلاة والسلام :
" من
أتاكم وأمركم جميع يريد أن يفرق بينكم فاضربوا عنقه " الحديث في الصحيح .
الصنف الثاني : من أراد أن تكون كلمة الله هي العليا
وهم الخوارج فيجب على المسلمين قتالهم ، وقد تواترت الأحاديث عن الرسول صلى
الله عليه وسلم بالأمر بقتالهم .
الصنف الثالث : البغاة
وهم الذين يخرجون على الإمام بتأويل سائغ مع عدم اعتقادهم عقيدة الخوارج
فهؤلاء أيضاً يقاتلون . وترك القتال في مثل هذه الحال خير لدين الرجل وبعد له عن
الفتنة .
وغالب الحكام في عصرنا لا يحكمون الناس بكتاب الله عز وجل ولا بسنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلك الأحاديث لا تنطبق عليهم . إلا أن الخروج عليهم
وقتالهم فيه مفاسد عظيمة على الإسلام والمسلمين خصوصا في حال ضعف المسلمين . قال
شيخ الإسلام ابن تيمية
: ولا يكاد يعرف لطائفة من طوائف
المسلمين خرجت على الحكام إلا وكان في خروجها من الفساد أعظم من الفساد الذي أزالته
. أ.هـ . ولذلك فإن أسلوب الخروج أو الانقلابات أو الاغتيالات مع وضع
المسلمين المزري ليعتبر أسلوبا فاشلا ، قاضٍ على جهود الدعاة إلى الله عز وجل .
فلما خرج بعض من خرج في عهد يزيد بن معاوية ونصحهم الصحابة بعدم الخروج كابن
عمر والنعمان بن بشير ومحمد بن علي (بن الحنفية) لم يستجيبوا لهم فقدم جيش يزيد
واستباح المدينة ثلاثة أيام يقتلون رجالها وينتهكون أعراض نسائها . وهكذا في
تاريخنا المعاصر جرى على بعض الجماعات الإسلامية في غير ما مصر الشيء الكثير من
الفساد في الدين والدنيا – فقتل في حماة في سوريا أكثر من خمسين ألف نفس في يومين
أو ثلاثة وانتهكت الأعراض وتقطعت السبل .
إذاً فالأسلوب الصحيح في معالجة واقع
المسلمين ليس هو مطارحة الحكام إنما هو بإصلاح المحكومين . قال تعالى :
(وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ) (الأنعام:129) .
ولذلك عاد كثير من منظري ومفكري بعض
الجماعات الإسلامية كسيد قطب ووحيد خان ومحمد قطب وعبد القادر عودة إلى أن الأسلوب
الصحيح يتمثل في أمرين هما : تصفية عقائد الناس وتربيتهم على النهج الصحيح والدين
القويم . قال تعالى :
( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ
حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) (الرعد: من الآية11)، وقال تعالى
:
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا
عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) (لأعراف: من الآية96) .
ومنذ خمسين عاماً وعلماء أهل السنة والجماعة ينادون بهذا الأسلوب التصفية والتربية
منهم الشيخ محمد ناصر الدين الألباني .
والطاعة لولي الأمر تكون في طاعة الله
فإذا أمر بمعصية الله فلا طاعة له .
وقد عدَّ الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه
الله عدم الطاعة لولاة الأمر من مسائل الجاهلية فقال :
(
المسألة الثالثة : أن مخالفة ولي الأمر وعدم الانقياد له فضيلة والسمع والطاعة ذل
ومهانة فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرهم بالصبر على وأمر بالسمع
والطاعة لهم والنصيحة وغلظ في ذلك وأبدى وأعاد ) أ.هـ.
قال الشيخ : [
فبين النبي صلى الله عليه وسلم هذا بيناً شائعا ذائعاً بكل وجه من أنواع البيان
شرعاً وقدراً ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند كثير ممن يدعي العلم فكيف العمل به ] .
الشرح : قال عليه الصلاة والسلام :
" سيلي عليكم أمراء
فتعرفون وتنكرون فمن عرف بريء ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع".
قالوا : يا رسول الله أفلا نقاتلهم؟ قال : " لا ما صلوا " رواه
مسلم من حديث أم سلمة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
(
فهذا أمر بالسمع والطاعة لولاة الأمور مع إخباره عليه الصلاة والسلام أنهم يأتون
أموراً منكرة ) .
قال عليه الصلاة والسلام :
" ثلاث لا يغل عليهن قلب العبد المسلم : إخلاص العمل لله ومناصحة
أئمة المسلمين ولزوم جماعتهم " عند أحمد وغيره بسند صحيح .