عوامل حفظ السنة (5) التحمل والأداء
((أولا)) : التحمل :
حث السلف -رحمهم الله- علي السعي الحثيث في تحمل الحديث وأخذه من أفواه مشايخه ، وندبوا إلي ذلك أيما ندب ، فهذا الخطيب البغدادي -رحمه الله- يقول في الكفاية (ص 6) : < والواجب علي من خصه الله تعالي بهذه الرتبة -يعني رتبة أصحاب الحديث - وبلغه إلي هذه المنزلة أن يبذل مجهوده في تتبع آثار رسول الله -صلي الله عليه وسلم - وسنته ، وطلبها من مظانها ، وحملها عن أهلها ، والتفقه بها ، والنظر في أحكامها ، والبحث عن معانيها ، والتأدب بآدابها ، ويصدف عما يقل نفعه ، وتبعد فائدته ، من طلب الشواذ والمنكرات ، وتتبع الأباطيل والموضوعات ، ويؤتي الحديث حقه من الدراسة والحفظ والتهذيب والضبط والتمييز ؛ بما تقتضيه حاله ويعود عليه زينه وجماله> .
وتحمل الحديث وأخذه عن المشايخ من أعظم أسباب حفظ السنة إذ بدون هذا تموت السنة بموت حملتها ومن هنا جاء قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( إن الله لا يقبض العلم إنتزاعا من صدور العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ......) .
(فصل) : أنواعه :
أنواع التحمل متعددة ودرجاته متفاوتة فمنها ما هو في الدرجة العليا من الضبط والإتقان ومنها ما هو في نهاية الضعف والهوان ومنها ما بين ذلك .
والإعتناء بمعرفة أنواع التحمل في غاية الأهمية لأنه علي هذه المعرفة ينبني قبول الحديث أو رده أو التوقف فيه ومن هذه الحيثية يتضح لنا دور هذه المعرفة في حفظ السنة فيؤخذ بالقوي منها وما أجمع عليه كالسماع والقراءة علي الشيخ وكذلك ما وقع الخلاف فيه لكن الحجة في العمل بها كالإجازة والمناولة والمكاتبة والإعلام ويطرح ما لا حجة فيه كالوصية والوجادة إلا من باب الإستئناس .
‏(فصل) الرحلة فيه :
تحمل الحديث لا بد فيه من الرحلة إلي مختلف الأقطار ومعاناة الغربة والتسفار حتي يتثني لطالب الحديث تحصيله عن مشايخه المتفرقين في البلدان ، فالرحلة في طلب الحديث لها دور كبير في حفظ السنة إذ لولا أن الله ألهم علماء الحديث وطلابه الرحلة فيه لما كان هذا الجمع لسنة رسول الله - صلي الله عليه وسلم - الذي تقر به العين وتبتهج به النفس . وكان السلف رحمهم الله يندبون إلي الرحلة في الحديث ويشنعون علي من لم يرحل ؛ قال ابن الصلاح - رحمه الله- في المقدمة (ص210) : < روينا عن أحمد بن حنبل أنه قيل له : أيرحل الرجل في طلب العلم ؟ فقال : بلي والله -شديدا- ، لقد كان علقمة والأسود يبلغهما الحديث عن عمر فلا يقنعهما حتي يخرجا إلي عمر فيسمعانه منه .
وروينا عن يحي بن معين أنه قال : اربعة لا تؤنس منهم رشدا : حارس الدرب ، ومنادي القاضي ، وابن المحدث ، ورجل يكتب في بلده ولا يرحل في طلب الحديث > .
‏(فصل) التوقي فيه :
ينبغي التوقي في تحمل الحديث وذلك بأن يحمل عن أهل الأمانة والصدق دون أهل الخيانة والكذب . قال الخطيب البغدادي - رحمه الله - كما في الكفاية ( ص 34 ) : < أجمع أهل العلم علي أنه لا يقبل إلا خبر العدل > وقال أيضا ( ص 35 ) : < وقد أخبر النبي - صلي الله عليه وسلم - بأن في أمته ممن يجيئ بعده كذابين فحذر منهم ونهي عن قبول رواياتهم وأعلمنا أن الكذب عليه ليس ككذب علي أحد > .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - أنه قال : ( سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم ) وفي رواية ( يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الحديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم ) . مقدمة صحيح مسلم (1/ 78-79) نووي .
فمعرفة ما يدل عليه هذا الحديث تحمل المرء علي التوقي في تحمل الحديث عن أهله والحذر من أولئك الكذابين ومن الحمل عنهم حتي لا نقع في الوعيد المترتب علي ذلك .
وكذا جاء عن الصحابة - رضي الله عنهم - ومن بعدهم من التابعين التحذير من حمل الحديث عمن لا يعرف والتوقي في ذلك بالإقتصار علي الثقات الأثبات . فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : < إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل فيأتي القوم فيحدثهم بالحديث من الكذب فيتفرقون فيقول الرجل منهم سمعت رجلا أعرف وجهه ولا أدري ما اسمه يحدث > مقدمة صحيح مسلم (ص 79) نووي .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال : < إن في البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان توشك أن تخرج فتقرأ علي الناس قرآنا > مقدمة صحيح مسلم (1/ 79-80) قال الإمام النووي - رحمه الله - : < معناه تقرأ شيئا ليس بقرآن وتقول إنه قرآن لتغر به عوام الناس فلا يغترون ) شرح النووي ( 1/ 80) .
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : إنما كنا نحفظ الحديث ، والحديث يحفظ عن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - فأما إذا ركبتم كل صعب وذلول فهيهات > مقدمة صحيح مسلم (1/ 81) نووي .
وعن طاوس قال : جاء هذا إلي ابن عباس - يعني بشير بن كعب - فجعل يحدثه ، فقال له ابن عباس : عد لحديث كذا وكذا ، فعاد له ، ثم حدثه فقال له : عد لحديث كذا وكذا ، فعاد له ، فقال له : ما أدري أعرفت حديثي كله وأنكرت هذا ، أم أنكرت حديثي كله وعرفت هذا ؟ فقال له ابن عباس : أنا كنا نحدث عن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - إذ لم يكن يكذب عليه فلما ركب الناس الصعب والذلول تركنا الحديث عنه > مقدمة صحيح مسلم (1/81) نووي .
وعن مجاهد قال : جاء بشير العدوي إلي ابن عباس فجعل يحدث ويقول قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه فقال : يا ابن عباس ما لي لا أراك تسمع لحديثي أحدثك عن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ولا تسمع فقال ابن عباس : إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - إبتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف > مقدمة صحيح مسلم (1/ 80-81) نووي .
وعن عقبة بن نافع القرشي حين حضره الموت فقال لبنيه <أوصيكم بثلاث : - وذكر منها - لا تأخذوا الحديث عن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - إلا عن ثقة> الكفاية (ص 32) .
وعن ابن سيرين قال : < إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم > مقدمة صحيح مسلم (1/84) نووي .
وعنه قال : < لم يكونوا يسألون عن الإسناد ، فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم ، فينظر إلي أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلي أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم > مقدمة صحيح مسلم (1/84)نووي .
وعن سليمان بن موسي قال لقيت طاوسا فقلت : حدثني فلان كيت وكيت ، قال : < إن كان صاحبك مليا فخذ عنه > مقدمة صحيح مسلم (1/84) نووي .
وعن أبي الزناد قال : < أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون ، ما يؤخذ عنهم الحديث ، يقال ليس من أهله > مقدمة صحيح مسلم (1/86-87)
يتبع إن شاء الله

‏(‏( ثانيا )) الأداء :
من عوامل حفظ السنة وبقائها ، القيام بتبليغها إلي الناس تعريفا ، وتعليما ، وتدريسا ، وتذكيرا .
وقد جاءت النصوص القرآنية ، والآثار النبوية ، والأخبار السلفية التي تتضمن وجوب تبليغ السنة ، وبيانها ، والتحذير من منعها وكتمانها وترتيب الوعيد الشديد والتهديد الأكيد علي ذلك .
قال الله تعالي : ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ) آل عمران (187)
وقال عز وجل : ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدي من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ) البقرة (159)
وقال - عليه الصلاة والسلام - : ( بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني أسرائيل ولا حرج ) البخاري (6/361) فتح الترمذي (2671)
وقال أيضا : ( نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعي من سامع ) الترمذي (2659)
وقال أيضا : ( من سئل علما يعلمه فكتمه الجم بلجام من نار ) الترمذي (2651) .
يتبع ..........
__________________

( فصل ) أنواع الأداء :
ثمة أنواع يؤدي بها الحديث ولكل نوع منها شروطه وضوابطه .
قال الإمام ابن كثير - رحمه الله - ذاكرا صفات الراوي المقبول : < وأن يكون مع ذلك ...... حافظا إن حدث من حفظه ضابطا لكتابه إن روي من الكتاب فاهما إن حدث علي المعني فإن اختل شرط مما ذكرنا ردت روايته > الباعث الحثيث (94-95) .

‏(‏ فصل ) أمور تراعي عند الأداء :
‏(‏ 1 ) عدم التحديث بكل ما سمع :
هذا من الأدلة علي عظمة هذا النهج وقوته ، وسلامته ودقته ، وسده للذرائع المفضية إلي وقوع الكذب علي النبي - صلي الله عليه وسلم - .
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - : ( كفي بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع ) مقدمة صحيح مسلم (1/73) نووي
وعن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهما - قالا : ( بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع ) مقدمة صحيح مسلم (1/ 74-75) نووي
قال الإمام النووي - رحمه الله - < ومعني الحديث والآثار التي في الباب : ففيها الزجر عن التحديث بكل ما يسمع الإنسان فإنه يسمع في العادة الصدق والكذب فإذا حدث بكل ما يسمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن > شرح النووي علي صحيح مسلم (1/75)
وعن عبد الله بن وهب قال قال لي مالك : ( إعلم أنه ليس يسلم رجل حدث بكل ما سمع ولا يكون إماما أبدا وهو يحدث بكل ما سمع ) قال النووي - رحمه الله - < معناه أنه إذا حدث بكل ما سمع كثر الخطأ في روايته فترك الإعتماد عليه والأخذ عنه > شرح النووي (1/75)
وعن عبد الرحمن بن مهدي - رحمه الله - أنه قال : ( لا يكون الرجل إماما يقتدي به حتي يمسك عن بعض ما سمع ) مقدمة صحيح مسلم (1/75) نووي .
__________________

‏(‏ 2 ) عدم التحديث بالأحاديث المنكرة :
فعن سفيان بن حسين قال سألني إياس بن معاوية فقال : ( إني أراك قد كلفت بعلم القرآن فاقرأ علي سورة وفسر حتي أنظر فيما علمت ) قال : ففعلت فقال لي : ( احفظ علي ما أقول لك : إياك والشناعة في الحديث فإنه قلما حملها أحد إلا ذل في نفسه وكذب في حديثه ) مقدمة صحيح مسلم (1/ 75-76) نووي
قال الإمام النووي - رحمه الله - < ومعني كلامه أنه حذره أن يحدث بالأحاديث المنكرة التي يشنع علي صاحبها وينكر ويقبح حال صاحبها فيكذب أو يستراب في روايته فتسقط منزلته ويذل في نفسه والله سبحانه وتعالي أعلم > شرح النووي علي صحيح مسلم (1/76) .

‏(‏ 3 ) تحديث الناس بما يعرفون :
جاءت بعض الأحاديث النبوية ، والآثار السلفية بالتنبيه علي مراعاة هذا الأمر :
ففي الصحيح من حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - الذي فيه أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال : ( وحق العباد علي الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا . فقال معاذ : فقلت يا رسول الله أفلا أبشر الناس قال : لا تبشرهم فيتكلوا ) البخاري ( 13/300 ) فتح ومسلم ( 1/76 ) نووي .
قال الإمام النووي - رحمه الله - < قال الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح : منعه من التبشير العام خوفا من أن يسمع ذلك من لا خبرة له ولا علم فيغتر ويتكل > شرح النووي علي صحيح مسلم ( 1/241 )
ونحو هذا حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - لما قال له رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ( إذهب بنعلي هاتين فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة . قال أبو هريرة : فكان أول من لقيت عمر فقال : ما هاتان النعلان يا أبا هريرة فقلت : هاتان نعلا رسول الله - صلي الله عليه وسلم - بعثني بهما من لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة . فضرب عمر بيده بين ثديي فخررت لإستي فقال : ارجع يا أبا هريرة ، فرجعت إلي رسول الله - صلي الله عليه وسلم -فأجهشت بكاء وركبني عمر فإذا هو علي أثري فقال لي رسول الله - صلي الله عليه وسلم - : ما لك يا أباهريرة ؟ قلت : لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به فضرب ثدي ضربة خررت لإستي قال : ارجع فقال له رسول الله - صلي الله عليه وسلم - : يا عمر ما حملك علي ما فعلت ؟ قال يا رسول الله بأبي أنت وأمي أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة ؟ قال : نعم قال : فلا تفعل فإني أخشي أن يتكل الناس فخلهم يعملون ، قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - : فخلهم ) مسلم ( 1/237-240) نووي .
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : ( ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ) مقدمة صحيح مسلم ( 1/76 ) نووي
وعن علي - رضي الله عنه - قال : ( حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله ) البخاري ( 1/255 ) فتح . وقد بوب الإمام البخاري - رحمه الله - لأثر علي هذا بقوله : < باب من خص قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا > .
قال الإمام الحافظ - رحمه الله - في الفتح : < وممن كره التحديث ببعض دون بعض احمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج علي السلطان ومالك في أحاديث الصفات وأبو يوسف في الغرائب وأبو هريرة في الجرابين ، والمراد ما يقع من الفتن ، وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة وظاهره في الأصل غير مراد فالإمساك عنه عند من يخشي عليه الأخذ بظاهره مطلوب والله أعلم > .
وقوله - رحمه الله : < ومالك في أحاديث الصفات > منتقد .

‏(‏ 4 ) الإقتصار علي رواية الصحيح دون السقيم :
ينبغي علي مؤدي الحديث أن يكتفي برواية ما صح وثبت من الحديث ، دون ما شذ وغرب ، وفي هذا الصنيع حفظ لسنة النبي - صلي الله عليه وسلم - ، لذا نجد أن المحدثين أنكروا علي من لم يقتصر علي رواية الأحاديث الصحيحة فقط .
فهذا الإمام مسلم - رحمه الله - يبين لنا دافعا من دوافع تأليفه لكتابه الصحيح ، قائلا لمن طلب منه تأليف الصحيح : < وبعد يرحمك الله فلولا الذي رأينا من سوء صنيع كثير ممن نصب نفسه محدثا فيما يلزمهم من طرح الأحاديث الضعيفة والروايات المنكرة ، وتركهم الإقتصار علي الأحاديث الصحيحة المشهورة ، مما نقله الثقات المعروفون بالصدق والأمانة ، بعد معرفتهم وإقرارهم بألسنتهم أن كثيرا مما يقذفون به إلي الأغبياء من الناس هو مستنكر ومنقول عن قوم غير مرضيين ، ممن ذم الرواية عنهم أئمة أهل الحديث مثل مالك بن أنس ، وشعبة بن الحجاج ، وسفيان بن عيينة ، ويحي بن سعيد القطان ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وغيرهم من الأئمة لما سهل علينا الإنتصاب لما سألت من التمييز والتحصيل ، ولكن من أجل ما أعلمناك من نشر القوم الأخبار المنكرة ، بالأسانيد الضعاف المجهولة ، خف علي قلوبنا إجابتك إلي ما سألت > مقدمة صحيح مسلم ( 1 /59-60 )
وقال أيضا - رحمه الله - : < واعلم وفقك الله تعالي ، أن الواجب علي كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها ، وثقات الناقلين لها من المتهمين ، أن لا يروي منها إلا ما عرف صحة مخرجه والستارة في ناقليه ، وأن يتقي منها ما كان منها عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع > مقدمة صحيح مسلم ( 1/ 60-61 )
وقال العلامة المعلمي اليماني - رحمه الله - في مقدمته علي تقدمة الجرح والتعديل عن منهج المحدثين في ذلك : < وحاولوا مع ذلك إماتة الأخبار الكاذبة ، فلم ينقل أفاضلهم منها إلا ما احتاجوا إلي ذكره للدلالة علي كذب راويه أو وهنه > مقدمة الجرح والتعديل (1/ب)

‏(‏ 5 ) رواية الحديث بلفظه والحذر من الخطأ فيه :
قال الإمام ابن كثير - رحمه الله - : < وأما رواية الحديث بالمعني ، فإن كان الراوي غير عالم بما يحيل المعني فلا خلاف أنه لا تجوز له رواية الحديث بهذه الصفة > الباعث الحثيث ( ص 136 )
إلي أن قال : < ولما كان هذا - يعني رواية الحديث بالمعني - قد يوقع في تغيير بعض الأحاديث ، منع من الرواية بالمعني طائفة آخرون من المحدثين والفقهاء والأصوليين ، وشددوا في ذلك آكد التشديد > الباعث ( ص 136 ) .
ومما يدل علي أن رواية الحديث بالمعني قد يوقع في تغيير بعض الأحاديث ما رواه الخطيب البغدادي - رحمه الله - في الكفاية ( ص 268 ) عن عبيد بن عمير قال قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - : ( مثل المنافق كمثل الشاة الرابضة بين الغنمين . فقال ابن عمر - رضي الله عنه - : ويلكم لا تكذبوا علي رسول الله -صلي الله عليه وسلم - إنما قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين ) .
وقد كان السلف - رحمهم الله - يتحرون في رواية الحديث غاية التحري :
‏<‏ فقد كان ابن عمر - رضي الله عنه - إذا سمع الحديث لم يزد فيه ولم ينقص منه ولم يقصر عنه > الكفاية ( ص 265 ) .
‏<‏ وعن الأعمش قال : كان هذا العلم عند أقوام كان أحدهم لأن يخر من السماء أحب إليه من أن يزيد فيه واوا أو دالا وإن أحدهم اليوم يحلف علي السمكة إنها لسمينة وإنها لمهزولة > الكفاية ( ص 274 ) .
‏<‏ وكان مالك يتحفظ من الباء والتاء في حديث رسول الله - صلي الله عليه وسلم - > تذكرة الحفاظ ( 1/212 ) .
وكانوا يخافون أشد الخوف من أن يقعوا في الخطأ في الرواية :
فعن عمرو بن ميمون قال : ( ما أخطأت ابن مسعود عشية إلا أتيته فيها ، قال : فما سمعته يقول بشيئ قط قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ، فلما كان ذات عشية قال : قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ، قال فنكس فنظرت إليه وهو قائم محللة أزرار قميصه قد اغرورقت عيناه وانتفخت أوداجه قال : أو دون ذلك ، أو فوق ذلك ، أو قريبا من ذلك ، أو شبيها بذلك ) سنن ابن ماجة ( 1/ 22-23 ) .
ولهذا قال عنه الذهبي - رحمه الله - في التذكرة ( 1/ 13-14 ) < وكان ممن يتحري في الأداء ويتشدد في الرواية ويزجر تلامذته عن التهاون في ضبط الألفاظ > .
وعن محمد بن سيرين - رحمه الله - قال : ( كان أنس بن مالك إذا حدث عن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - حديثا يفرغ منه قال : أو كما قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ) سنن ابن ماجة ( 1/23 ) .
__________________

‏(‏ 6 ) رواية الصحيح جزما والضعيف ممرضا :
قال ابن الصلاح - رحمه الله - في الحديث الضعيف : < وإذا عزوته إلي النبي - صلي الله عليه وسلم - من غير إسناد ، فلا تقل قال النبي - صلي الله عليه وسلم - كذا وكذا وما أشبه من الألفاظ الجازمة ، بل بصيغة التمريض ، وكذا فيما يشك في صحته > الباعث الحثيث ( ص 93 ) .
وقال الإمام النووي - رحمه الله - : < قال العلماء : ينبغي لمن أراد رواية الحديث أو ذكره أن ينظر ، فإن كان حديثا صحيحا أو حسنا قال : قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - كذا أو فعله ونحو ذلك من صيغ الجزم وإن كان ضعيفا فلا يقل قال أو فعل أو أمر أو نهي وشبه ذلك من صيغ الجزم بل يقول روي عنه كذا أو جاء عنه كذا أو يروي أو يذكر أو يحكي أو يقال أو بلغنا وما أشبهه والله أعلم > شرح صحيح مسلم ( 1/71 ) .
وهذا ختام ما ينبغي أن يراعي عند الأداء والحمد لله وحده .

ماشاء الله اليكي

يارب يبارك في عمرك

وجعل الله عملك في ميزان حسناتك

وكل الشكر لكي لحرصك ان تجمعي في موضوع واحد

لكي تحياتي