هُو قُطْب
الْرَّحَى فِي هَذَا الْجَسَد ..
أَشَار الَيْه
الْرَّسُوْل الْمُصْطَفَى صَلَوَات الْلَّه وَسَلَامُه عَلَيْه
بِقَوْلِه ..
[ألا
وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد
الجسد كله، ألا وهي القلب ]
فَصَلَاح حَال
الْانْسَان وَجَوَارِحَه مَنُوْط بِصَلَاح هَذِه المْضُغُه
الَّتِي أَشَار الْرَّسُوْل صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم
إِلَيْهَا فِي هَذَا الْحَدِيْث ..
●●●
وَلَكِن
مَهْلَا ..!!
أَلَا
نَرَى قُلُوْبَا قَد قَسَت ..
قُلُوْبَا قَد غَلُظَت وَيَبِسَت ..
وَمَا بَقِي
فِيْهَا مِن شَئ بَعْد ذَهَاب الْلَّيِّن وَالْخُشُوْع
وَالْرَّحْمَة إِلَا الْقَسْوَه ..
الَّذِي
أَصْبَح يَمْنَعُه مِن الانْفِعَال وَالْتَّأَثُّر
بِالْنَّوَازِل لقَسَاوَتِه ..
أَلَم نَجِد
قُلُوْبَا وَقَد حَمَلَت كَم هَائِلَا مِن الْغِل وَالْحِقْد
..!!
وَقُلُوْبا
أُخْرَى قَد غُلِّفَت نَفْسَهَا بِغِلَاف مَن الْرِّيَاء
وَالْنِّفَاق وَالْإِعْرَاض ..!!
حَتَّى
اعْتَلَاهَا الْصَّدَأ .. وَأَسْتَوْلَى عَلَيْهَا حَب
اتِّبَاع الْهَوَى ،وَغَلَبَه الْشَّهَوَات؛ وَفَسَاد حَرَكَات
الْجَوَارِح..
تَجِدْه وَقَد
انْبَعَث خَلَف كُل مَعْصِيَه ..وَنَشَط خَلَف كُل ضَلَالِه
...
حَتَّى
أَصْبَح لَايَرَى مِنْه إِلَا نُكْتَه سَوْدَاء نُغَطِّي ذَلِك
الْقَلْب ..
وَلِهَذَا
يُقَال: الْقَلْب مَلِك الْأَعْضَاء، وَبَقِيَّة الْأَعْضَاء
جُنُوْدُه،
فَإِذَا كَان
الْقَلْب صَالِحَا؛ كَانَت الْجُنُوْد صَالِحَة،
وَإِن كَان
فَاسِدَا؛ كَانَت جُنُوْدُه فَاسِدَة.
●●●
فَيَا لِلْعَجَب..!!
إِلَى
مَتَى سَيَبْقَى الْضَّمِيْر فِي
غَفْلَتِه ..!!
وَالَى
مَتْى سَيَبْقَى الْقَلْب رَهِيْن إِشَارَتَه ..!!
مِّن
الَّذِي سَيُجَلِّي الْصَّدَأ وَيُزِيْل الْغُبَار
وَالْأَخْتَام عَن الْقُلُوْب..!!
أَلَم
يَأْن الْوَقْت لَصَحُوه ضَمِيْر .. ؟!
أَلَم
يَحِيْن الْوَقْت لِرَفْع اصّوَاتُنَا .. كَفَاك يَانَفْس
عِصْيَانَا وَرِضَى بِالْهَوَان ..!!
أَلَم يَأْن
بِك اللَّحَاق بِرَكْب الْصَّالِحِيْن الْمُخْبِتِيْن ..
●●●
يَقُوْل ابْن
الْقَيِّم رَحِمَه الْلَّه فِي انْقِسَام الْقُلُوْب إِلَى
صَحِيْح، وَسَقِيم، وَمَيْت، مَا خُلَاصَتُه :
لِّمَا كَان
الْقَلْب يُوْصَف بِالْحَيَاة وَضِدُّهَا، انْقَسَم بِحَسَب
ذَلِك إِلَى هَذِه الْأَحْوَال الثَّلَاثَة:
II ♥II فَالَقَلْب
الْصَّحِيْح II ♥ II
هُو الْقَلْب
السَّلِيْم الَّذِي لَا يَنْجُو يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا مَن
أَتَى الْلَّه بِه، كَمَا قَال تَعَالَى
[
يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى
اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ][الشعراء:88-89].
فَهُو الَّذِي
قَد سُلِّم مِن كُل شَهْوَة تُخَالِف أَمْر الْلَّه
وَنَهْيِه..
وَمِن كُل
شُبْهَة تُعَارِض خَبَرَه، فَسَلَّم مِن عُبُوْدِيَّة مَا
سِوَاه وَسَلِّم مِن تَحْكِيْم غَيْرُه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه
وَسَلَّم..
وَسَلِّم مِن
أَن يَكُوْن لِغَيْر الْلَّه فِيْه شِرْك بِوَجْه..
بَل قَد
خَلَّصْت عُبُوْدِيَّتِه وَعَمَلِه لِلَّه تَعَالَى، فَإِن
أَحَب؛ أَحَب فِي الْلَّه، وَإِن أَبْغَض؛ أَبْغَض فِي
الْلَّه..
وَإِن أَعْطَى
وَمَنَع فَلِلَّه وَحْدَه..
وَلَا
يَكْفِيْه هَذَا حَتَّى يُسْلِم مِن الِانْقِيَاد
وَالتَّحْكِيْم لِكُل مَن عَدَا رَسُوُلِه صَلَّى الْلَّه
عَلَيْه وَسَلَّم...
فَيُعْقَد
قَلْبِه عَقْدَا مُحْكَمَا عَلَى الِائْتِمَام وَالِاقْتِدَاء
بِه وَحْدَه -دُوْن كُل أَحَد- فِي الْأَقْوَال
وَالْأَفْعَال..
وَيَكُوْن
الْحَاكِم عَلَيْه فِي ذَلِك كُلِّه، دِقَّه وَجِلَّه: هُو مَا
جَاء بِه الرَّسـوَل صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم..
فَلَا
يَتَقَدَّم بَيْن يَدَيْه بِعَقِيْدَة وَلَا قَوْل وَلَا
عَمَل، امْتَثَالا لِقَوْلِه سُبْحَانَه..
[ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ
اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ ][الحجرات:1].
●●●
II ♥ II وَالْقَلْب
الْثَّانِي II ♥II
ضِد هَذَا،
وَهُو الْقَلْب الْمَيِّت، الَّذِي لَا يُعْرَف رَبُّه، وَلَا
يَعْبُدُه بِأَمْرِه، فَالْهَوَى إِمَامِه..
وَالْشَّهْوَة
قَائِدَه، وَالْجَهْل سَائِقَه، وَالْغَفْلَة مَرْكَبُه،
فمُخَالَطّة صَاحِب هَذَا الْقَلْب سُقْم، وَمُعَاشَرَتِه صُم،
وَمُجَالَسَتِه هَلَاك.
●●●
II ♥II وَالْقَلْب
الْثَّالِث II ♥II
قَلْب لَه
حَيَاة وَبِه عِلَّة، فَفِيْه مِن مَحَبَّة الْلَّه
وَالْإِيْمَان بِه مَا هُو مَادَّة حَيَاتِه..
وَفِيْه مِن
مَحَبَّة الْشَّهَوَات وَإِيْثَارِهَا مَا هُو مَادَّة
هَلَاكِه وَعَطَبِه، وَهُو مُمْتَحَن بَيْنَهُمَا.
فَالَقَلْب
الْأَوَّل: حَي
مُخْبِت وَاع لَيِّن.
وَالْثَّانِي يَابِس
مَيِّت.
وَالْثَّالِث: مَرِيْض،
فَإِمَّا إِلَى الْسَّلامَة أَدْنَى, وَإِمَّا إِلَى الْعَطَب
أَدْنَى.
●●●
رَوَى الْإِمَام
مُسْلِم : عَن حُذَيْفَة بْن الْيَمَان رَضِي الْلَّه عَنْه
قَال: قَال رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم :
{تعرض الفتن
على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً؛ فأي قلب أُشرِبَها
نُكِِتَت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها، نكتت فيه نكتة بيضاء
حتى تصير
القلوب على قلبين: قلب أسود مرباداً كالكوز مُجَخِّيَا، لا
يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، إلا ما أُشْرِب من هواه، وقلب
أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض }
●●
وَصَح عَن
حُذَيْفَة بْن الْيَمَان رَضِي الْلَّه عَنْه قَوْلُه:
II ♥II الْقُلُوْب
أَرْبَعَة II ♥II
قَلْب
أَجْرَد: أَي:
مُتَجَرِّد مِمَّا سِوَى الْلَّه وَرَسُوْلِه، فِيْه سِرَاج
يُزْهِر، فَذَلِك قَلْب الْمُؤْمِن.
وَقَلْب
أُغْلِق: فَذَلِك قَلْب الْكَافِر.
وَقَلْب
مَنْكُوْس: فَذَلِك قَلْب الْمُنَافِق،
عَرَف ثُم أَنْكَر، وَأَبْصَر ثُم عَمِي.
وَقَلْب
تَمُدُّه مَادَّتَان: مَادَّة إِيْمَان، وَمَادَّة نِفَاق؛
فَهُو لِمَا غَلَب عَلَيْه مِنْهُمَا ..
وَالْفِتَن
الَّتِي تُعْرَض عَلَى الْقُلُوُب هِي أُسَبَاب مَرَضِهَا..
وَهِي فِتَن
الْشَّهَوَات، وَفُتِن الشُّبُهَات، فِتَن الْغَي وَالْضَّلال،
وَفُتِن الْمَعَاصِي وَالْبِدَع، وَفُتِن الْظُّلْم
وَالْجَهْل.
وَمَدَار
اعْتِلَال الْقُلُوْب وَأَسْقَامِهَا عَلَى أَصْلَيْن: فَسَاد
الْعِلْم، وَفَسَاد الْقَصْد..
وَيَتَرَتَّب
عَلَيْهِمَا دَاءَان قَاتِلَان: الْغَضَب وَالضَّلَال،
وَهَذَان الْمَرَضَان مَلَاك أَمْرَاض الْقُلُوُب
جَمِيْعِهَا..
وَشِفَاء
ذَلِك بِالْهِدَايَة الْعِلْمِيَّة، وَالْهِدَايَة
الْعَمَلِيَّة ..
وَتَكُوْن
بِتَحْقِيْق الْتَّوْحِيْد لِلَّه، وَتَجْرِيد الْمُتَابَعَة
لَرَسُوْلُه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم..
نَعَم ..
فَأَنَّه مَا أَصَابَنَا مِن شَر وَضُلال وَفِتْنَة .. إِلَا
بِسَبَب أَمْرَاض الْقُلُوْب وَعِلَلِهَا..
وَمَا حَلَّت
الْضَّلالَة وَانْتَشَرَت الْجَهَالَة .. وَحَصَلَت الْفُرْقَة
وَالِاخْتِلَاط إِلَا بِسَبَب أَسْقَام الْقُلُوْب الَّتِي
أَصْبَحَت أَوِكَارّا لِلْشَّيَاطِيْن..
وَمَا عَمَّت
الْمُنْكَرَات فِي الْأَشْغَال وَالْأَخْلاق وَالْأَقْوَال
إِلَا بِسَبَب إِقْفَار الْقُلُوْب مِن طَاعَة الْلَّه،
وَفِتْنَتَهَا بِحُب الْعَاجِلَة..
فَكُل فَسَاد
حَل مَرَدُّه إِلَى أَمْرَاض الْقُلُوْب، وَمَا رَان عَلَيْهَا
مِن ظُّلُمَات الْمَعَاصِي...
الَّتِي
تَقْضِي عَلَى الْقَلْب، وَتُمِيْت الْشُّعُوْر وَالْحِس
الْإِيْمَانِي فِيْه، وَتَزْرَع فِيْه الْفِسْق وَالضَّلَال
وَالْفَسَاد...
» يَقُوْل
عَبْد الْلَّه بْن الْمُبَارَك «
رَأَيْت
الْذُّنُوب تُمِيْت الْقُلُوُب وَقَد يُوَرِّث الْذُّل
إدْمَانُهَا ..
......................وَتَرْك
الْذُّنُوب حَيَاة الْقُلُوُب وَخَيْر لِنَفْسِك عِصْيَانُهَا
..
عَجَبا ..
لِمَن بَاتُوْا وَقُلُوْبُهُم مُضْطَرِبَة قَلْقَلَة
مَلَوَّثَة مُدَنَّسَة ..
يلِّثُون خَلَف أَمْهَر طَبِيْب لِعِلاج مَّرَض أَلَم بِه ..!!
وَيُهْمِل الْعِلَاج الْحَقِيقِي الْمَعْنَوِي لِقَلْبِه
وَرُوْحُه ..!!
أَلَا
فَلْيَعْلَم هَؤُلَاء ..
أَن الْلَّه
تَعَالَى يَعْلَم مَايُسِرُّوْن وَمَايُعْلِنُوْن ..
وَأَنَّه
مَطْلَع عَلَى تِلْك الْأَفْئِدَه ..
فَالَبِدَار..
الْبِدَار.. نَحْو صَلَاح الْقُلُوْب ..
فَإِن حَيَاة
الْقَلْب وَصِحَّتِه وَشَفَاءَه مِن كُل ضَرَر لَا يَحْصُل
إِلَّا بِالْإِقْبَال عَلَى كِتَاب الْلَّه تِلَاوَة
وَتَدَبُّرَا، فَفِيْه الْشِّفَاء وَالْنُّوْر..
كَمَا قَال
سُبْحَانَه:
:[ يَا
أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَـوْعِظَةٌ مِنْ
رَبِّكُمْ وَشِفـَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ
لِلْمُؤْمِنِينَ ][يونس:57].
وَالْإِكْثَار مِن ذِكْر الْلَّه قَال تَعَالَى :[ أَلا
بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ][الرعد:28].
وَكَثْرَة
اسْتِغْفَارُه وَالْتَّوْبَة إِلَيْه، وَالاسْتِعَاذَة بِه مِن
الْشَّيْطَان الْرَّجِيْم..
وَالْبُعْد
عَن مَصَائِدِه وَحَبَائِلِه مِن: الْمَلَاهِي الَّتِي تَصُد
عَن ذِكْر الْلَّه، وَسَائِر الْمَعَاصِي.
الْلَّهُم
زَكِي قُلُوْبَنَا وَطُهْرُهَا مِن كُل مايَجْلّب غَضَبَك أَو
يَحُل بِه سَخَطِك ..
تقبلوا فائق التقدير والاحترام