الاختلاف في عهد النبوة والصحابة الاطهار

[b][[color=darkred][/colorالاختلاف في عهد النبوة والصحابة الاطهار

ا
لاختلاف في عصر النبوة، وفي عصر الصحابة، وآداب هذا الاختلاف.

المطلب الأول: الاختلاف في عصر النبوة وأدبه.

لم يكن في عهد رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام ، مايمكن أن يؤدي إلى الاختلاف بالمعنى الذي ذكر سابقاً، ذلك لأن رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام ، مرجع الجميع باتفاق ومردهم في كل أمر يحربهم ومفزعهم في كل شأن، وهاديهم من كل حيزة، فإذا اختلف الصحابة، رضوان الله عليهم في شيء ردوه إليه، عليه الصلاة والسلام فبيَّنََ لهم وجه الحق فيه، وأوضح لهم سبيل الهداية. وأما الذين ينزل بهم من الأمور ما لايستطيعون رَدَّهُ إلى رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام ، لبعدهم عن المدينة، فكان يقع بينهم الاختلاف كاختلافهم في تفسير مايعرفونه من كتاب الله عز وجل، أو سنّة رسوله عليه الصلاة والسلام ، وتطبيقه على مانابهم من أحداث، وقد لايجدون في ذلك نصاً، فتختلف اجتهاداتهم.
وإذا عادوا إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام ، عرضوا عليه ما فهموه من النصوص التي بين أيديهم أو اجتهدوا فيه من القضايا، فإمّا أن يقرهم على ذلك، فيصبح جزءاً من سنته عليه الصلاة والسلام ، وإما أن يبين لهم وجه الحق والصواب، فيطمئنون لحكمه عليه الصلاة والسلام ، ويأخذون به، ويرتفع الخلاف (أدب الاختلاف ص 36-35)، والأمثلة على ذلك:
أ) ما أخرجه البخاري ومسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام ، قال يوم الأحزاب: "لايصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة" فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لانصلي حتى نأتيها، أي: ديار بني

قريظة، وقال بعضهم. بل نصلي، لم يُرِدْ منا ذلك، فذكر ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام ، فلم يعنّف واحداً منهم.

وظاهر من هذا الحديث الشريف أن الصحابة، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، انقسموا إلى فريقين في موقفهم من أداء صلاة العصر. فريق أخذ بظاهر اللفظ ( كما يقول المناطقة) أو مايسميه أصوليو الحنفية

(بعبارة النص). وفريق استنبط من النص معنى خصصه به.

وتصويب رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام ، للفريقين دليل على مشروعية كل من المذهبين، ومادام أن الرسول عليه الصلاة والسلام ، قد أمر الفريقين، فكان على العلماء أن لايقولوا بأن فعل أحد الفريقين أفضل

من فعل الأخر.

ثانياً: أدب الاختلاف في عصر النبوة.

يمكن تلخيص معالم أدب الاختلاف في هذا العصر بما يلي:

.1 كان الصحابة، رضوان الله تعالى عليهم: يحاولون ألاَّ يختلفوا ما أمكن، فلم يكونوا يكثرون من المسائل والتفريعات، بل يعالجون مايقع من النوازل في ظلال هدي الرسول عليه الصلاة والسلام ، ومعالجة الأمر

الواقع لاتتيح فرصة كبيرة للجدل فضلاً عن التنازع والشقاق.

.2 إذا وقع الاختلاف بالرغم من محاولات تحاشيه سارعوا في رد الأمر المختلف فيه إلى كتاب الله تعالى، وإلى رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وسرعان مايرتفع الخلاف.

.3 سرعة امتثالهم لحكم الله ورسوله والتسليم الكامل به.

.4 لقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام ، يصوب المختلفين في كثير من القضايا التي تحتمل التأويل، ولدى كل منهم شعور بأن ماذهب إليه أخوه يحتمل الصواب كالذي يراه لنفسه، وهذا الشعور كفيل بالحفاظ على

احترام كل من المختلفين لأخيه والبعد عن التعصب للرأي.

.5 الالتزام بالتقوى وتجنب الهوى، وذلك من شأنه أن يجعل الحقيقة وحدها هدف المختلفين، حيث لايهم أي منهما أن تظهر الحقيقة على لسانه، أو على لسان أخيه.

.6 التزامهم بآداب الإسلام من انتقاء أطيب الكلم، وتجنب الألفاظ الجارحة بين المختلفين مع حسن استماع كل منهما للآخر.

.7 تنزههم عن المماراة ما أمكن، وبذلهم أقصى أنواع الجهد في موضوع البحث، مما يعطي لرأي كل من المختلفين صفة الجد والاحترام من الطرف الآخر، ويدفع المخالف لقبوله أو محاولة تقديم الرأي الأفضل.
المطلب الثاني: الاختلاف في عصر الصحابة وأدبه.

إذا كان اختلاف الصحابة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ، قليلاً، لقربهم منه، عليه الصلاة والسلام، وإمكانهم الرد عليه مباشرة، فإن اختلافهم في عهد الصحابة كان كثيراً بالمقارنة مع اختلافهم في عهده،

عليه الصلاة والسلام.

ومما اختلفوا فيه من الأمور المهمة:
.1 اختلافهم في وفاته، عليه الصلاة والسلام. وقد حدث هذا الاختلاف بين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنهم حول حقيقة وفاته عليه الصلاة والسلام .

فإن سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أصرّ على أن رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام ، لم يمت واعتبر القول بوفاته إرجافاً من المنافقين فتوعدهم عليه، حتى جاء أبوبكر، رضي الله عنه، وقرأ على الناس

قوله تعالى:

{وما محمدٌ إلآرسولٌ قد خَلَتْ من قبله الرسل أفإن ماتَ أو قُتل انقلِبتم على أعقابكم ومَنْ ينقلبْ على عَقِبيْهِ فلن يضرَّ اللهَ شيئاً وسيجزي اللهُ الشاكرين}. (سورة آل عمران، الآية: 144). وقوله تعالى: {إنك ميت

وإنهم ميتون}. (سورة الزمر، من الآية: 30) وسقط السيف من يد عمر، وخر إلى الأرض، واستيقن فراق رسول اللَّّه عليه الصلاة والسلام ، وانقطاع الوحي، وقال عن الآيات التي تلاها أبوبكر >كأني والله لم أكن

قرأتها قط< وكان عمر ـ يظن بقاء رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام ، إلى آخر أيامه، استنادا ًإلى اجتهاده الذي توصل اليه من خلال فهمه، لقوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهـداء علـى الناس

ويكـون الرسولُ عليـكم شهيـداًً}، (سورة البقرة، الآية: 143)، وقد فهم عمر أن المراد منها: الشهادة في الدنيا.
.2 اختلافهم في دفنه،
عليه الصلاة والسلام. لقد اختلف الصحابة في المكان الذي يجب دفن الرسول عليه الصلاة والسلام ، فيه فقال قائل: (ندفنه في مسجده) وقال قائل: (بل ندفنه مع أصحابه) فقال أبوبكر، رضي الله عنه، أني سمعت

رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام ، يقول: (ماقبض نبي الاَّ دفن حيث قُبِضَ) فرفع فراش رسول الله عليه الصلاة والسلام ، الذي توفي فيه، فحفر له تحته.
.3 اختلافهم حول قتال مانعي الزكاة، وقصة ذلك معروفة.

.4 اختلافهم في بعض المسائل الفقهية،

ومنها: سبي أهل الردة: فقد كان أبوبكر رضي اللَّه عنه، يرى سبي نساء المرتدين على عكس مايراه عمر الذي نقض في خلافته ـ حكم أبي بكر في هذه المسألة، وردهن الى أهليهن حرائر من ولدت لسيدها منهن،

ومن جملتهن كانت خولة بنت جعفر الحنفية أم محمد بن علي.

ـ قسمة الأراضي المفتوحة، فكان أبوبكر وفريق من الصحابة يرى قسمتها، وكان عمر يرى وقفها ولم يقسمها، واستقر الأمر على قول عمر، لما عرف الصحابة أنه يحقق المصلحة العامة.

ـ المفاضلة في العطاء: فكان أبوبكر يرى التسوية في الأعطيات حين كان يرى عمر المفاضلة في ذلك، وقد فاضل بين المسلمين في أعطياتهم.

ومهما يكن من اختلاف بين أبي بكر وعمر، فإن هذا الاختلاف مازاد كلاًمنهما في أخيه إلاحبّاً فأبوبكر حين استخلف عمر قال له بعض المسلمين.

(ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا، وقد ترى من غلظته؟ قال: أقول: اللهم أني استخلفت عليهم خير أهلك).

وحين قال أحدهم لعمر رضى الله عنه، أنت خير من أبي بكر أجهش بالبكاء، وقال: (والله لليلة من أبي بكر خير من عمر وآل عمر).

( تلك نماذج من الاختلافات بين الشيخين، اختلفت الآراء، وما اختلفت القلوب، لأن نياطها شدت بأسباب السماء، فماعاد لتراب الأرض عليها من سلطان، (أدب الاختلاف من 63-56).
ثانياً : أدب الاختلاف في عهد الصحابة

يمكن تلخيص ذلك في النقاط التالية:

.1 كان الصحابة يتحاشون الاختلاف، وهم يجدون عنه مندُوحة، فهم يحرصون الحرص كله على عدمه.

.2 وحين كان للاختلاف أسباب تبرره، فإنهم:

ـ يسارعون للاستجابة للحق، ويعترفون بالخطأ.

ـ وكانوا شديدي الاحترام لأهل العلم والفضل والفقه منهم، وكل منهم يرى أن الرأي مشترك، وأن الحق يمكن أن يكون فيما ذهب إليه أخوه، وذلك هو المرجوح، ولامانع يمنع أن يكون ماظنه راجحاً هو المرجوح،

ولاشيء يمنع أن يكون ماظنه مرجوحاً هو الراجح.

.3 كانت أخوة الاسلام بينهم أصلاًً من أصول الإسلام الهامة التي لاقيام للإسلام دونها، وهي فوق الخلاف أوالوفاق في المسائل الاجتهادية.

.4 كانت المسائل الاعتقادية خارجة عن محل الاختلاف، فالخلافات لم تتجاوز مسائل الفروع.

.5 كان الصحابة، قبل خلافة عثمان، رضي الله عنهم، منحصرين في المدينة، وقليل منهم في مكة، لايغادرون إلا لجهاد ونحوه، ثم يعودون فيسهل اجتماعهم ويتحقق إجماعهم في كثير من الأمور.

.6 كان القرّاء والفقهاء بارزين ظاهرين كالقيادات السياسية.

.7 كانت نظرتهم إلى استدراكات بعضهم على بعض أنها معونة يقدمها المستدرك منهم لأخيه، وليست عيباً أو نقداً. (أدب الاختلاف 72 ـ 73).

الاختلاف في عهد التابعين وتابعي التابعين وأصحاب المذاهب الفقهية. وإذا كان الاختلاف في عهد الصحابة، فإن الاختلاف أكثر ما يكون في عهد التابعين وتابعي التابعين وأهل المذاهب الفقهية المعروفة لأسباب

عديدة. فقد استجد أمر لم يكن معهوداً في عهد كبار الصحابة، ألا وهو الاختلافات السياسية التي أعقبت فتنة مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وانتقال الخلافة إلى الكوفة ثم إلى الشام، وما تخلل

ذلك من أحداث جسام. فإن تلك الأحداث قد أدخلت إلى دائرة الاختلاف أموراً أخرى كانت خارجها، وساعدت على انطواء أهل كل بلد أو مصر من الأمصار المفتوحة على ماوصلهم من سنة رسول الله عليه الصلاة

والسلام ، والنظر إلى مالدى أهل الأمصار الأخرى نظرة مختلفة متحفظة، كثيرا ًما تؤثر فيها ظروف التأييد السياسي أو المعارضه، واتخذ العراق بمصريه العظيمين ( الكوفة والبصرة) بيئة خِِصْبةً لتفاعل الأفكار

السياسية وتعقيدها وتصديرها إلى جهات مختلفة، ففيه ظهرت حركات كثيرة وطوائف عدة ذات أهداف كثيرة. (أدب الاختلاف، ص 79-78).
]center]

الموضوع الأصلي : الاختلاف في عهد النبوة والصحابة الاطهار المصدر : منتدى رحيق الفردوس